التفاسير

< >
عرض

وَٱذْكُرِ ٱسْمَ رَبِّكَ بُكْرَةً وَأَصِيلاً
٢٥
وَمِنَ ٱللَّيْلِ فَٱسْجُدْ لَهُ وَسَبِّحْهُ لَيْلاً طَوِيلاً
٢٦
-الإنسان

مفاتيح الغيب ، التفسير الكبير

وفي هذه الآية قولان:

الأول: أن المراد هو الصلاة قالوا: لأن التقييد بالبكرة والأصيل يدل على أن المراد من قوله: { وَٱذْكُرِ ٱسْمَ رَبّكَ } الصلوات. ثم قالوا: البكرة هي صلاة الصبح والأصيل صلاة الظهر والعصر { وَمِنَ ٱلَّيْلِ فَٱسْجُدْ لَهُ } المغرب والعشاء، فتكون هذه الكلمات جامعة الصلوات الخمس وقوله: { وَسَبّحْهُ لَيْلاً طَوِيلاً } المراد منه التهجد، ثم اختلفوا فيه فقال بعضهم: كان ذلك من الواجبات على الرسول عليه السلام، ثم نسخ كما ذكرنا في سورة المزمل واحتجوا عليه بأن قوله: { فَٱسْجُدْ لَهُ وَسَبّحْهُ } أمر وهو للوجوب لا سيما إذا تكرر على سبيل المبالغة، وقال آخرون: بل المراد التطوع وحكمه ثابت.

القول الثاني: أن المراد من قوله: { وَٱذْكُرِ ٱسْمَ رَبّكَ } إلى آخر الآية ليس هو الصلاة بل المراد التسبيح الذي هو القول والاعتقاد، والمقصود أن يكون ذاكراً لله في جميع الأوقات ليلاً ونهاراً بقلبه ولسانه، وهو المراد من قوله: { { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ ٱذْكُرُواْ ٱللَّهَ ذِكْراً كَثِيراً وَسَبّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً } [الأحزاب: 41].

واعلم أن في الآية لطيفة أخرى وهي أنه تعالى قال: { { إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ ٱلْقُرْءانَ تَنزِيلاً } [الإنسان: 23] أي هديناك إلى هذه الأسرار، وشرحنا صدرك بهذه الأنوار، وإذ قد فعلنا بك ذلك فكن منقاداً مطيعاً لأمرنا، وإياك وأن تكون منقاداً مطيعاً لغيرنا، ثم لما أمره بطاعته، ونهاه عن طاعة غيره قال: { وَٱذْكُرِ ٱسْمَ رَبّكَ } وهذا إشارة إلى أن العقول البشرية ليس عندها إلا معرفة الأسماء والصفات، أما معرفة الحقيقة فلا، فتارة يقال له: { وَٱذْكُرِ ٱسْمَ رَبّكَ } وهو إشارة إلى معرفة الأسماء، وتارة يقال له: { { وَٱذْكُر رَّبَّكَ فِي نَفْسِكَ } [الأعراف:205] وهو إشارة إلى مقام الصفات، وأما معرفة الحقيقة المخصوصة التي هي المستلزمة لسائر اللوازم السلبية والإضافية، فلا سبيل لشيء من الممكنات والمحدثات، إلى الوصول إليها والاطلاع عليها، فسبحان من اختفى عن العقول لشدة ظهوره واحتجب عنها بكمال نوره.

واعلم أنه تعالى لما خاطب رسوله بالتعظيم والنهي والأمر عدل إلى شرح أحوال الكفار والمتمردين، فقال تعالى: