التفاسير

< >
عرض

أَلَمْ نَخْلُقكُّم مِّن مَّآءٍ مَّهِينٍ
٢٠
فَجَعَلْنَاهُ فِي قَرَارٍ مَّكِينٍ
٢١
إِلَىٰ قَدَرٍ مَّعْلُومٍ
٢٢
فَقَدَرْنَا فَنِعْمَ ٱلْقَادِرُونَ
٢٣
وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ
٢٤
-المرسلات

مفاتيح الغيب ، التفسير الكبير

اعلم أن هذا هو النوع الثالث: من تخويف الكفار ووجه التخويف فيه من وجهين: الأول: أنه تعالى ذكرهم عظيم إنعامه عليهم، وكلما كانت نعمة الله عليهم أكثر كانت جنايتهم في حقه أقبح وأفحش، وكلما كان كذلك كان العقاب أعظم، فلهذا قال عقيب ذكر هذا الإنعام: { وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لّلْمُكَذّبِينَ }. الوجه الثاني: أنه تعالى ذكرهم كونه قادراً على الابتداء، وظاهر في العقل أن القادر على الابتداء قادر على الإعادة، فلما أنكروا هذه الدلالة الظاهرة، لا جرم قال في حقهم: { وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لّلْمُكَذّبِينَ } وأما التفسير فهو أن قوله: { أَلَمْ نَخْلُقكُّم مّن مَّاء مَّهِينٍ } أي من النطفة، كقوله: { { ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِن سُلاَلَةٍ مّن مَّاء مَّهِينٍ } [السجدة:8] { فَجَعَلْنَـٰهُ فِى قَرَارٍ مَّكِينٍ } وهو الرحم، لأن ما يخلق منه الولد لا بد وأن يثبت في الرحم ويتمكن بخلاف مالا يخلق منه الولد، ثم قال: { إِلَىٰ قَدَرٍ مَّعْلُومٍ } والمراد كونه في الرحم إلى وقت الولادة، وذلك الوقت معلوم لله تعالى لا لغيره كقوله: { إِنَّ ٱللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ ٱلسَّاعَةِ } إلى قوله: { { وَيَعْلَمُ مَا فِى ٱلأَرْحَامِ } [لقمان:34] { فَقَدَرْنَا } قرأ نافع وعبدالله بن عامر بالتشديد، وقرأ الباقون بالتخفيف، أما التشديد فالمعنى إنا قدرنا ذلك تقديراً فنعم المقدرون له نحن، ويتأكد هذا الوجه بقوله تعالى: { مِن نُّطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ } ولأن إيقاع الخلق على هذا التقدير والتحديد نعمة من المقدر على المخلوق فحسن ذكره في موضع ذكر المنة والنعمة، ومن طعن في هذه القراءة قال: لو صحت هذه القراءة لوجب أن يقال: فقدرنا فنعم المقدرون وأجيب عنه بأن العرب قد تجمع بين اللغتين، قال تعالى: { { فَمَهّلِ ٱلْكَـٰفِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْداً } [الطارق:17] وأما القراءة بالتخفيف ففيها وجهان: الأول: أنه من القدرة أي فقدرنا على خلقه وتصويره كيف شئنا وأردنا { فَنِعْمَ ٱلْقَـٰدِرُونَ } حيث خلقناه في أحسن الصور والهيئات والثاني: أنه يقال: قدرت الشيء بالتخفيف على معنى قدرته، قال: الفراء العرب تقول: قدر عليه الموت، وقدر عليه الموت، وقدر عليه رزقه وقدر بالتخفيف والتشديد، قال تعالى: { { فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ } [الفجر:16].