التفاسير

< >
عرض

أَلَمْ نَجْعَلِ ٱلأَرْضَ كِفَاتاً
٢٥
أَحْيَآءً وَأَمْوٰتاً
٢٦
وَجَعَلْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ شَامِخَاتٍ وَأَسْقَيْنَاكُم مَّآءً فُرَاتاً
٢٧
وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ
٢٨
-المرسلات

مفاتيح الغيب ، التفسير الكبير

اعلم أن هذا هو النوع الرابع من تخويف الكفار وذلك لأنه ذكرهم بالنعم التي له عليهم في الأنفس، وفي هذه الآية ذكرهم بالنعم التي له عليهم في الآفاق، ثم قال في آخر الآية: { وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لّلْمُكَذّبِينَ } والسبب فيه ما قدمنا أن النعم كلما كانت أكثر كانت الجناية أقبح فكان استحقاق الذم عاجلاً والعقاب آجلاً أشد، وإنما قدم تلك الآية على هذه الآية، لأن النعم التي في الأنفس كالأصل للنعم التي في الآفاق، فإنه لولا الحياة والسمع والبصر والأعضاء السليمة لما كان الانتفاع بشيء من المخلوق ممكناً.

واعلم أنه تعالى ذكر ههنا ثلاثة أشياء أولها: الأرض، وإنما قدمها لأن أقرب الأشياء إلينا من الأمور الخارجية هو الأرض، ومعنى الكفات في اللغة الضم والجمع يقال: كفت الشيء أي ضممته، ويقال: جراب كفيت وكفت إذا كان لا يضيع شيئاً مما يجعل فيه، ويقال للقدر: كفت. قال صاحب الكشاف: هو اسم ما يكفت، كقولهم الضمام والجماع لما يضم ويجمع، ويقال: هذا الباب جماع الأبواب، وتقول: شددت الشيء ثم تسمي الخيط الذي تشد به الشيء شداداً، وبه انتصب أحياء وأمواتاً كأنه قيل: كافتة أحياء وأمواتاً، أو بفعل مضمر يدل عليه وهو نكفت ويكون المعنى نكفتكم أحياء وأمواتاً، فينصبان على الحال من الضمير هذا هو اللغة، ثم في المعنى وجوه أحدها: أنها تكفت أحياء على ظهرها وأمواتاً في بطنها والمعنى أن الأحياء يسكنون في منازلهم والأموات يدفنون في قبورهم، ولهذا كانوا يسمون الأرض إما لأنها في ضمها للناس كالأم التي تضم ولدها وتكفله، ولما كانوا يضمون إليها جعلت كأنها تضمهم وثانيها: أنها كفات الأحياء بمعنى أنها تكفت ما ينفصل الأحياء من الأمور المستقذرة، فأما أنها تكفت (الأحياء) حال كونهم على ظهرها فلا وثالثها: أنها كفات الأحياء بمعنى أنها جامعة لما يحتاج الإنسان إليه في حاجاته من مأكل ومشرب، لأن كل ذلك يخرج من الأرض والأبنية الجامعة للمصالح الدافعة للمضار مبنية منها ورابعها: أن قوله: { أَحْيَاء وَأَمْوٰتاً } معناه راجع إلى الأرض، والحي ما أنبت والميت مالم ينبت، بقي في الآية سؤالان:

الأول: لم قيل: { أَحْيَاء وَأَمْوٰتاً } على التنكير وهي كفات الأحياء والأموات جميعاً؟ الجواب: هو من تنكير التفخيم، كأنه قيل: تكفت أحياء لا يعدون، وأمواتاً لا يحصرون.

السؤال الثاني: هل تدل هذه الآية على وجوب قطع النباش؟ الجواب: نقل القفال أن ربيعة قال: دلت الآية على أن الأرض كفات الميت فتكون حرزاً له، والسارق من الحرز يجب عليه القطع.

النوع الثاني: من النعم المذكورة في هذه الآية قوله تعالى: { وَجَعَلْنَا فِيهَا رَوَاسِىَ شَـٰمِخَـٰتٍ } فقوله: { رَوَاسِىَ } أي ثوابت على ظهر الأرض لا تزول و{ شَـٰمِخَـٰتٍ } أي عاليات، وكل عال فهو شامخ، ويقال: للمتكبر شامخ بأنفه، ومنافع خلقة الجبال قد تقدمت في هذا الكتاب.

النوع الثالث: من النعم قوله تعالى: { وَأَسْقَيْنَـٰكُم مَّاء فُرَاتاً } الفرات هو الغاية في العذوبة، وقد تقدم تفسيره في قوله: { { هَـٰذَا عَذبٌ فُرَاتٌ } [الفرقان:53]