التفاسير

< >
عرض

أَخْرَجَ مِنْهَا مَآءَهَا وَمَرْعَاهَا
٣١
-النازعات

مفاتيح الغيب ، التفسير الكبير

الصفة الثانية: قوله تعالى: { أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءهَا وَمَرْعَـٰهَا } وفيه مسألتان:

المسألة الأولى: ماؤها عيونها المتفجرة بالماء ومرعاها رعيها، وهو في الأصل موضع الرعي، ونصب الأرض والجبال بإضمار دحا وأرسى على شريطة التفسير، وقرأهما الحسن مرفوعين على الابتداء، فإن قيل: هلا أدخل حرف العطف على أخرج قلنا لوجهين؟ الأول: أن يكون معنى دحاها بسطها ومهدها للسكنى، ثم فسر التمهيد بما لا بد منه في تأتي سكناها من تسوية أمر المشارب والمآكل وإمكان القرار عليها بإخراج الماء والمرعى وإرساء الجبال وإثباتها أوتاداً لها حتى تستقر ويستقر عليها والثاني: أن يكون { أَخْرَجَ } حالاً، والتقدير والأرض بعد ذلك دحاها حال ما أخرج منها ماء ومرعاها.

المسألة الثانية: أراد بمرعاها ما يأكل الناس والأنعام، ونظيره قوله في النحل: { أَنْزَلَ مِنَ ٱلسَّمَاء مَآء لَّكُم مَّنْهُ شَرَابٌ وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ } [النحل: 10] وقال في سورة أخرى: { { أَنَّا صَبَبْنَا ٱلْمَاء صَبّاً * ثُمَّ شَقَقْنَا ٱلأَرْضَ شَقّاً } [عبس: 25 -26] إلى قوله: { مَتَـٰعاً لَّكُمْ وَلأَنْعَـٰمِكُمْ } [عبس:32] فكذا في هذه الآية واستعير الرعي للإنسان كما استعير الرتع في قوله: { يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ } [يوسف: 12] وقرىء نرتع من الرعي، ثم قال ابن قتيبة قال تعالى: { وَجَعَلْنَا مِنَ ٱلْمَاء كُلَّ شَيْء حَيّ } [الأنبياء: 30] فانظر كيف دل بقوله: { مَاءهَا وَمَرْعَـٰهَا } على جميع ما أخرجه من الأرض قوتاً ومتاعاً للأنام من العشب والشجر، والحب والثمر والعصف والحطب، واللباس والدواء حتى النار والملح، أما النار فلا شك أنها من العيدان قال تعالى: { أَفَرَءيْتُمُ ٱلنَّارَ ٱلَّتِي تُورُونَ * أأنتم أَنشَأْتُمْ شَجَرَتَهَا أَمْ نَحْنُ ٱلْمُنشِئُونَ } [الواقعة: 72,71] وأما الملح فلا شك أنه متولد من الماء، وأنت إذا تأملت علمت أن جميع ما يتنزه به الناس في الدنيا ويتلذذون به، فأصله الماء والنبات، ولهذا السبب تردد في وصف الجنة ذكرهما، فقال: { جَنَّـٰتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَـٰرُ } [البقرة: 25] ثم الذي يدل على أنه تعالى أراد بالمرعى كل ما يأكله الناس والأنعام قوله في آخر هذه الآية: { مَتَـٰعاً لَّكُمْ وَلأَنْعَـٰمِكُمْ } [النازعات: 33].