التفاسير

< >
عرض

سَيَذَّكَّرُ مَن يَخْشَىٰ
١٠
-الأعلى

مفاتيح الغيب ، التفسير الكبير

ففيه مسائل:

المسألة الأولى: اعلم أن الناس في أمر المعاد على ثلاثة أقسام منهم من قطع بصحته، ومنهم من جوز وجوده ولكنه غير قاطع فيه لا بالنفي ولا بالإثبات، ومنهم من أصر على إنكاره وقطع بأنه لا يكون فالقسمان الأولان تكون الخشية حاصلة لهما، وأما القسم الثالث فلا خشية له ولا خوف إذا عرفت ذلك ظهر أن الآية تحتمل تفسيرين: أحدهما: أن يقال: الذي يخشى هو الذي يكون عارفاً بالله وعارفاً بكمال قدرته وعلمه وحكمته، وذلك يقتضي كونه قاطعاً بصحة المعاد ولذلك قال تعالى: { إِنَّمَا يَخْشَى ٱللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ ٱلْعُلَمَاء } [فاطر: 28] فكأنه تعالى لما قال: { فَذَكّرْ إِن نَّفَعَتِ ٱلذّكْرَىٰ } بين في هذه الآية أن الذي تنفعه الذكرى من هو، ولما كان الانتفاع بالذكرى مبنياً على حصول الخشية في القلب، وصفات القلوب مما لا اطلاع لأحد عليها إلا الله سبحانه وجب على الرسول تعميم الدعوة تحصيلاً للمقصود، فإن المقصود تذكير من ينتفع بالتذكير، ولا سبيل إليه إلا بتعميم التذكير. الثاني: أن يقال: إن الخشية حاصلة للعاملين وللمتوقفين غير المعاندين وأكثر الخلق متوقفون غير معاندين والمعاند فيهم قليل، فإذا ضم إلى المتوقفين الذين لهم الغلبة العارفون كانت الغلبة العظيمة لغير المعاندين، ثم إن كثيراً من المعاندين، إنما يعاندون باللسان، فأما المعاند في قلبه بينه وبين نفسه فذلك مما لا يكون أو إن كان فهو في غاية الندرة والقلة، ثم إن الإنسان إذا سمع التخويف بأنه يصلى النار الكبرى وأنه لا يموت فيها ولا يحيى انكسر قلبه فلا بد وأن يستمع وينتفع أغلب الخلق في أغلب الأحوال، وأما ذلك المعرض فنادر، وترك الخير الكثير لأجل الشر القليل شر كثير، فمن هذا الوجه كان قوله: { فَذَكّرْ إِن نَّفَعَتِ ٱلذّكْرَىٰ } يوجب تعميم التذكير.

المسألة الثالثة: السين في قوله: { سَيَذَّكَّرُ } يحتمل أن تكون بمعنى سوف يذكر وسوف من الله واجب كقوله: { سَنُقْرِئُكَ فَلاَ تَنسَىٰ } [الأعلى: 6] ويحتمل أن يكون المعنى أن من خشي الله فإنه يتذكر وإن كان بعد حين بما يستعمله من التدبر والنظر فهو بعد طول المدة يذكر، والله أعلم.

المسألة الرابعة: العلم إنما يسمى تذكراً إذا كان قد حصل العلم أولاً ثم نسيه وهذه الحالة غير حاصلة للكفار فكيف سمى الله تعالى ذلك بالتذكر؟ وجوابه: أن لقوة الدلائل وظهورها كأن ذلك العلم كان حاصلاً، ثم إنه زال بسبب التقليد والعناد. فلهذا أسماه الله تعالى بالتذكر.

المسألة الخامسة: قيل: نزلت هذه الآية في عثمان بن عفان، وقيل: نزلت في ابن أم مكتوم. أما قوله تعالى: