التفاسير

< >
عرض

وَلاَ يَخَافُ عُقْبَاهَا
١٥
-الشمس

مفاتيح الغيب ، التفسير الكبير

ففيه وجوه أولها: أنه كناية عن الرب تعالى إذ هو أقرب المذكورات، ثم اختلفوا فقال بعضهم: لا يخاف تبعة في العاقبة إذ العقبى والعاقبة سواء، كأنه بين أنه تعالى يفعل ذلك بحق. وكل ما فعل ما يكون حكمة وحقاً فإنه لا يخاف عاقبة فعله. وقال بعضهم: ذكر ذلك لا على وجه التحقيق لكن على وجه التحقير لهذا الفعل، أي هو أهون من أن تخشى فيه عاقبة، والله تعالى يجل أن يوصف بذلك، ومنهم من قال: المراد منه التنبيه على أنه بالغ في التعذيب، فإن كل ملك يخشى عاقبة، فإنه يتقي بعض الاتقاء، والله تعالى لما لم يخف شيئاً من العواقب، لا جرم ما اتقى شيئاً وثانيها: أنه كناية عن صالح الذي هو الرسول أي ولا يخاف صالح عقبى هذا العذاب الذي ينزل بهم وذلك كالوعد لنصرته ودفع المكاره عنه لو حاول محاول أن يؤذيه لأجل ذلك وثالثها: المراد أن ذلك الأشقى الذي هو أحيمر ثمود فيما أقدم من عقر الناقة { وَلاَ يَخَافُ عُقْبَـٰهَا } وهذه الآية وإن كانت متأخرة لكنها على هذا التفسير في حكم المتقدم، كأنه قال: إذ انبعث أشقـاها، ولا يخاف عقبـاها والمراد بذلك أنه أقدم على عقرها وهو كالآمن من نزول الهلاك به وبقومه ففعل مع هذا الخوف الشديد فعل من لايخاف ألبتة، فنسب في ذلك إلى الجهل والحمق، وفي قراءة النبي عليه السلام: (ولم يخف) وفي مصاحف أهل المدينة والشام { فَلاَ يَخَافُ } والله أعلم، روي أن صالحاً لما وعدهم العذاب بعد ثلاث، قال التسعة الذين عقروا الناقة: هلموا فلنقتل صالحاً، فإن كان صادقاً فأعجلناه قبلنا، وإن كان كاذباً ألحقناه بناقته. فأتوه ليبيتوه فدمغتهم الملائكة بالحجار، فلما أبطأوا على أصحابهم أتوا منزل صالح، فوجدوهم قد رضخوا بالحجارة فقالوا لصالح: أنت قتلتهم ثم هموا به فقامت عشيرته دونه لبسوا السلاح وقالوا لهم: والله لا تقتلونه قد وعدكم أن العذاب نازل بكم في ثلاث، فإن كان صادقاً زدتم ربكم عليكم غضباً، وإن كان كاذباً فأنتم من وراء ما تريدون، فانصرفوا عنه تلك الليلة فأصبحوا وجوههم مصفرة فأيقنوا بالعذاب فطلبوا صالحاً ليقتلوه فهرب صالح والتجأ إلى سيد بعض بطون ثمود وكان مشركاً فغيبه عنهم فلم يقدروا عليه ثم شغلهم عنه ما نزل بهم من العذاب، فهذا هو قوله: { وَلاَ يَخَافُ عُقْبَـٰهَا } والله أعلم، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.