التفاسير

< >
عرض

أَكَانَ لِلنَّاسِ عَجَباً أَنْ أَوْحَيْنَآ إِلَىٰ رَجُلٍ مِّنْهُمْ أَنْ أَنذِرِ ٱلنَّاسَ وَبَشِّرِ ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِندَ رَبِّهِمْ قَالَ ٱلْكَافِرُونَ إِنَّ هَـٰذَا لَسَاحِرٌ مُّبِينٌ
٢
-يونس

الجامع لاحكام القرآن

قوله تعالى: { أَكَانَ لِلنَّاسِ عَجَباً } استفهام معناه التقرير والتوبيخ. و «عَجَباً» خبر كان، واسمها { أَنْ أَوْحَيْنَآ } وهو في موضع رفع؛ أي كان إيحاؤنا عجباً للناس. وفي قراءة عبد الله «عجب» على أنه ٱسم كان. والخبر «أَنْ أَوْحَيْنَا». { إِلَىٰ رَجُلٍ مِّنْهُمْ } قرىء «رَجْل» بإسكان الجيم. وسبب النزول فيما رُوي عن ابن عباس أن الكفار قالوا لما بُعث محمد: إن الله أعظمُ من أن يكون رسوله بشراً. وقالوا: ما وجد الله من يرسله إلا يتيمَ أبي طالب؛ فنزلت: { أَكَانَ لِلنَّاسِ } يعني أهل مكة «عَجَباً». وقيل: إنما تعجبوا من ذكر البعث.

قوله تعالى: { أَنْ أَنذِرِ ٱلنَّاسَ وَبَشِّرِ ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ } في موضع نصب بإسقاط الخافض؛ أي بأن أنذر الناس، وكذا { أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ }. وقد تقدّم معنى النّذارة والبشارة وغير ذلك من ألفاظ الآية. واختلف في معنى «قَدَمَ صِدْقٍ» فقال ٱبن عباس: قدم صدق منزلَ صدق؛ دليله قوله تعالى: { وَقُل رَّبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ } [الإسراء: 80]. وعنه أيضاً: أجراً حسناً بما قدّموا من أعمالهم. وعنه أيضاً «قَدَمَ صِدْقٍ» سَبْقَ السعادة في الذكر الأوّل، وقاله مجاهد. الزجاج: درجة عالية. قال ذو الرُّمّة:

لكم قدَمٌ لا ينكر الناس أنهامع الحسب العالي طَمّت على البحر

قتادة: سلف صدق. الربيع: ثواب صدق. عطاء: مقام صدق. يَمَانٍ: إيمان صدق. وقيل: دعوة الملائكة. وقيل: وَلدٌ صالح قدّموه. الماورديّ: أن يوافق صدق الطاعة صدق الجزاء. وقال الحسن وقتادة أيضاً: هو محمد صلى الله عليه وسلم؛ فإنه شفيع مطاع يتقدّمهم؛ كما قال: "أنا فَرَطُكم على الحوض" . وقد سئل صلى الله عليه وسلم فقال: "هي شفاعتي توسّلون بي إلى ربكم" . وقال الترمذيّ الحكيم: قدّمه صلى الله عليه وسلم في المقام المحمود. وعن الحسن أيضاً: مصيبتهم في النبيّ صلى الله عليه وسلم. وقال عبد العزيز بن يحيى: «قَدَمَ صِدْقٍ» قوله تعالى: { إِنَّ ٱلَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِّنَّا ٱلْحُسْنَىٰ أُوْلَـٰئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ }. وقال مقاتل: أعمالاً قدّموها؛ واختاره الطبريّ. قال الوضّاح:

صلِّ لذي العرش وٱتَّخذ قَدَماًتُنْجيك يوم العِثار والزّلل

وقيل: هو تقديم الله هذه الأُمة في الحشر من القبر وفي إدخال الجنة. كما قال: "نحن الآخرون السابقون يوم القيامة المقضيّ لهم قبل الخلائق" . وحقيقته أنه كناية عن السعي في العمل الصالح؛ فكنّى عنه بالقَدَم كما يُكنَى عن الإنعام باليد وعن الثناء باللسان. وأنشد حسان:

لنا القَدم العليا إليك وخَلْفُنالأوّلنا في طاعة الله تابع

يريد السابقة بإخلاص الطاعة، والله أعلم. وقال أبو عبيدة والكسائي: كل سابق من خير أو شر فهو عند العرب قَدَم؛ يقال: لفلان قَدَم في الإسلام، له عندي قَدَم صدقٍ وقَدَم شر وقَدَم خير. وهو مؤنث وقد يذكر؛ يقال: قَدَم حَسَن وقدم صالحة. وقال ابن الأعرابي: القدم التقدّم في الشرف؛ قال العَجّاج:

زلّ بنو العَوّام عن آل الحَكَمْوتركوا المُلْك لملْك ذي قَدَم

وفي الصحاح عن النبيّ صلى الله عليه وسلم أنه قال: "لي خمسة أسماء. أنا محمد وأحمد وأنا الماحي الذي يمحو الله بي الكفر وأنا الحاشر الذي يُحشر الناسُ على قدمي وأنا العاقب" يريد آخر الأنبياء؛ كما قال تعالى: { وَخَاتَمَ ٱلنَّبِيِّينَ } [الأحزاب: 40].

قوله تعالى: { قَالَ ٱلْكَافِرُونَ إِنَّ هَـٰذَا لَسَاحِرٌ مُّبِينٌ } قرأ ٱبن مُحَيْصِن وٱبن كثير والكوفيون عاصم وحمزة والكسائي وخلف والأعمش «لساحِر» نعتاً لرسول الله صلى الله عليه وسلم. وقرأ الباقون «لِسَحْرٌ» نعتاً للقرآن وقد تقدّم معنى السحر في «البقرة».