التفاسير

< >
عرض

وَلَوْ أَنَّ لِكُلِّ نَفْسٍ ظَلَمَتْ مَا فِي ٱلأَرْضِ لاَفْتَدَتْ بِهِ وَأَسَرُّواْ ٱلنَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُاْ ٱلْعَذَابَ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِٱلْقِسْطِ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ
٥٤
-يونس

الجامع لاحكام القرآن

قوله تعالى: { وَلَوْ أَنَّ لِكُلِّ نَفْسٍ ظَلَمَتْ } أي أشركت وكفرت. { مَا فِي ٱلأَرْضِ } أي ملكاً. { لاَفْتَدَتْ بِهِ } أي من عذاب الله، يعني ولا يقبل منها؛ كما قال: { إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَمَاتُواْ وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَن يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِم مِّلْءُ ٱلأَرْضِ ذَهَباً وَلَوِ ٱفْتَدَىٰ بِهِ }. وقد تقدّم.

قوله تعالى: { وَأَسَرُّواْ ٱلنَّدَامَةَ } أي أخفَوْها؛ يعني رؤساءهم، أي أخفوا ندامتهم عن أتباعهم. { لَمَّا رَأَوُاْ ٱلْعَذَابَ } وهذا قبل الإحراق بالنار، فإذا وقعوا في النار ألْهتهم النار عن التصنع؛ بدليل قولهم: { رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا } [المؤمنون: 601]. فبيّن أنهم لا يكتمون ما بهم. وقيل: «أسَرُّوا» أظهروا، والكلمة من الأضداد، ويدلّ عليه أن الآخرة ليست دار تجلد وتصبّر. وقيل: وجدوا ألم الحسرة في قلوبهم؛ لأن الندامة لا يمكن إظهارها. قال كثير:

فأسررتُ الندامة يوم نادىبردّ جمال غاضرة المنادي

وذكر المبرّد فيه وجهاً ثالثاً ـ أنه بدت بالندامة أسِرّة وجوههم، وهي تكاسير الجبهة، واحدها سِرَار. والندامة: الحسرة لوقوع شيء أو فوت شيء، وأصلها اللزوم؛ ومنه النديم لأنه يلازم المجالس. وفلان نادم سادم. والسَّدَم اللَّهَج بالشيء. ونَدِم وتندّم بالشيء أي اهتمّ به. قال الجوهري: السَّدَم (بالتحريك) الندم والحزن؛ وقد سَدِم بالكسر أي اهتمّ وحَزِن ورجل نادمٌ سادمٌ، وندمانُ سَدْمان؛ وقيل: هو إتباع. وماله همٌّ ولا سَدَم إلا ذلك. وقيل: الندم مقلوب الدمن، والدَّمْن اللزوم؛ ومنه فلان مدمن الخمر. والدّمْن: ما اجتمع في الدار وتلبّد من الأبوال والأبعار؛ سُمِّيَ به للزومه. والدّمنة: الحقد الملازم للصدر، والجمع دِمَن. وقد دَمِنت قلوبهم بالكسر؛ يقال: دَمِنت على فلان أي ضَغِنت. { وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِٱلْقِسْطِ } أي بين الرؤساء والسُّفَّل بالعدل. { وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ }.