التفاسير

< >
عرض

الۤر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ
١
أَلاَّ تَعْبُدُوۤاْ إِلاَّ ٱللَّهَ إِنَّنِي لَكُمْ مِّنْهُ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ
٢
وَأَنِ ٱسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوۤاْ إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَّتَاعاً حَسَناً إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ وَإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنِّيۤ أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ
٣
إِلَى ٱللَّهِ مَرْجِعُكُمْ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ
٤
-هود

الجامع لاحكام القرآن

قوله تعالى: { الۤر }. تقدّم القول فيه. { كِتَابٌ } بمعنى هذا كتاب. { أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ } في موضع رفع نعت لكتاب. وأحسن ما قيل في معنى { أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ } قول قَتَادة؛ أي جعلت محكمة كلّها لا خَلَل فيها ولا باطل. والإحكام منع القول من الفساد، أي نُظمت نظماً مُحْكَماً لا يلحقها تناقض ولا خَلَل. وقال ٱبن عباس: أي لم ينسخها كتاب، بخلاف التوراة والإنجيل. وعلى هذا فالمعنى؛ أُحكم بعض آياته بأن جعل ناسخاً غير منسوخ. وقد تقدّم القول فيه. وقد يقع ٱسم الجنس على النوع؛ فيقال: أكلت طعام زيد؛ أي بعض طعامه. وقال الحسن وأبو العالية: { أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ } بالأمر والنهي. { ثُمَّ فُصِّلَتْ } بالوعد والوعيد والثواب والعقاب. وقال قتادة: أحكمها الله من الباطل، ثم فصّلها بالحلال والحرام. مجاهد: أحكمت جملة، ثم بُيِّنت بذكر آية آية بجميع ما يحتاج إِليه من الدليل على التوحيد والنبوّة والبعث وغيرها. وقيل: جمعت في اللوح المحفوظ، ثم فصلت في التنزيل. وقيل: «{ فُصِّلت } أنزلت نَجْماً نَجْماً لتُتَدبَّر. وقرأ عكرمة «فَصَلَتْ» مخفّفاً أي حَكَمت بالحق. { مِن لَّدُنْ } أي من عند. { حَكِيمٍ } أي محكم للأمور. { خَبِيرٍ } بكل كائن وغير كائن.

قوله تعالى: { أَلاَّ تَعْبُدُوۤاْ إِلاَّ ٱللَّهَ } قال الكسائيّ والفرّاء. أي بألا؛ أي أحكمت ثم فصّلت بألا تعبدوا إِلا الله. قال الزجاج: لئلا؛ أي أحكمت ثم فصّلت لئلا تعبدوا إلا الله. قيل: أمر رسوله أن يقول للناس ألا تعبدوا إلا الله. { إِنَّنِي لَكُمْ مِّنْهُ } أي من الله. { نَذِيرٌ } أي مخوف من عذابه وسطوته لمن عصاه. { وَبَشِيرٌ } بالرضوان والجنة لمن أطاعه. وقيل: هو من قول الله أوّلاً وآخراً؛ أي لا تعبدوا إلا الله إنني لكم منه نذير؛ أي الله نذير لكم من عبادة غيره، كما قال: { { وَيُحَذِّرْكُمُ ٱللَّهُ نَفْسَهُ } [آل عمران: 28].

قوله تعالى: { وَأَنِ ٱسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ } عطف على الأوّل. { ثُمَّ تُوبُوۤاْ إِلَيْهِ } أي ٱرجعوا إليه بالطاعة والعبادة. قال الفرّاء: «ثم» هنا بمعنى الواو؛ أي وتوبوا إليه؛ لأن الاستغفار هو التوبة، والتوبة هي الاستغفار. وقيل: ٱستغفروه من سالف ذنوبكم، وتوبوا إليه من المستأنف متى وقعت منكم. قال بعض الصلحاء: الاستغفار بلا إقلاع توبة الكذابين. وقد تقدّم هذا المعنى في «آل عمران» مستوفى. وفي «البقرة» عند قوله: { وَلاَ تَتَّخِذُوۤاْ آيَاتِ ٱللَّهِ هُزُواً }. وقيل: إنما قدم ذكر الاستغفار لأن المغفرة هي الغرض المطلوب، والتوبة هي السبب إليها؛ فالمغفرة أوّل في المطلوب وآخر في السبب. ويحتمل أن يكون المعنى استغفروه من الصغائر، وتوبوا إليه من الكبائر. { يُمَتِّعْكُمْ مَّتَاعاً حَسَناً } هذه ثمرة الاستغفار والتوبة، أي يمتعكم بالمنافع من سعة الرزق ورغد العيش، ولا يستأصلكم بالعذاب كما فعل بمن أهلك قبلكم. وقيل: يمتّعكم يُعمِّركم؛ وأصل الإمتاع الإطالة، ومنه أَمتع اللَّهُ بك ومَتَّع. وقال سهل بن عبد الله: المتاع الحسن ترك الْخَلق والإقبال على الحق. وقيل: هو القناعة بالموجود، وترك الحزن على المفقود. { إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى } قيل: هو الموت. وقيل: القيامة. وقيل: دخول الجنة. والمتاع الحسن على هذا وقاية كلّ مكروه وأمرٍ مَخُوف، مما يكون في القبر وغيره من أهوال القيامة وكُرَبها؛ والأوّل أظهر؛ لقوله في هذه السورة: { { وَيٰقَوْمِ ٱسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوۤاْ إِلَيْهِ يُرْسِلِ ٱلسَّمَآءَ عَلَيْكُمْ مِّدْرَاراً وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَىٰ قُوَّتِكُمْ } [هود: 52]. وهذا ينقطع بالموت وهو الأجل المسمى. والله أعلم. قال مقاتل: فأبوا فدعا عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فابتلوا بالقحط سبع سنين حتى أكلوا العظام المحرَقة والقَذَر والجيف والكلاب. { وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ } أي يؤت كل ذي عمل من الأعمال الصالحات جزاء عمله. وقيل: ويؤت كلّ من فضلت حسناته على سيئاته { فَضْلَهُ } أي الجنة، وهي فضل الله؛ فالكناية في قوله: { فَضْلَهُ } ترجع إلى الله تعالى. وقال مجاهد: هو ما يحتسبه الإنسان من كلام يقوله بلسانه، أو عمل يعمله بيده أو رجله، أو ما تطوّع به من ماله فهو فضل الله، يؤتيه ذلك إذا آمن، ولا يتقبله منه إن كان كافراً. { وَإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنِّيۤ أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ } أي يوم القيامة، وهو كبير لما فيه من الأهوال. وقيل: اليوم الكبير هو يوم بدر وغيره: و { تَوَلَّوْا } يجوز أن يكون ماضياً ويكون المعنى: وإن تولّوا فقل لهم إني أخاف عليكم. ويجوز أن يكون مستقبلاً حذفت منه إحدى التاءين والمعنى: قل لهم إن تتولّوا فإني أخاف عليكم.

قوله تعالى: { إِلَى ٱللَّهِ مَرْجِعُكُمْ } أي بعد الموت. { وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } من ثواب وعقاب.