التفاسير

< >
عرض

لَهُ دَعْوَةُ ٱلْحَقِّ وَٱلَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِهِ لاَ يَسْتَجِيبُونَ لَهُم بِشَيْءٍ إِلاَّ كَبَاسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى ٱلْمَآءِ لِيَبْلُغَ فَاهُ وَمَا هُوَ بِبَالِغِهِ وَمَا دُعَآءُ ٱلْكَافِرِينَ إِلاَّ فِي ضَلاَلٍ
١٤
-الرعد

الجامع لاحكام القرآن

قوله تعالى: { لَهُ دَعْوَةُ ٱلْحَقِّ } أي لله دعوة الصدق. قال ابن عباس وقَتَادة وغيرهما: لا إله إلا الله. وقال الحسن: إن الله هو الحق، فدعاؤه دعوة الحق. وقيل: إن الإخلاص في الدعاء هو دعوة الحق؛ قاله بعض المتأخرين. وقيل: دعوة الحق دعاؤه عند الخوف؛ فإنه لا يدعى فيه إلا إياه، كما قال: { { ضَلَّ مَن تَدْعُونَ إِلاَّ إِيَّاهُ } [الإسراء: 67]؛ قال الْمَاوَرْدِيّ: وهو أشبه بسياق الآية؛ لأنه قال: { وَٱلَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِهِ } يعني الأصنام والأوثان. { لاَ يَسْتَجِيبُونَ لَهُم بِشَيْءٍ } أي لا يستجيبون لهم دعاء، ولا يسمعون لهم نداء. { إِلاَّ كَبَاسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى ٱلْمَآءِ لِيَبْلُغَ فَاهُ وَمَا هُوَ بِبَالِغِهِ } ضرب الله عز وجل الماء مثلاً ليأسهم من الإجابة لدعائهم؛ لأن العرب تضرب لمن سعى فيما لا يدركه مَثَلا بالقابض الماء باليد؛ قال:

فأصبحتُ فيما كان بَيْني وبينهامن الودّ مثلَ القابِض الماء باليدِ

وفي معنى هذا المثل ثلاثة أوجه: أحدها: أن الذي يدعو إلهاً من دون الله كالظمآن الذي يدعو الماء إلى فِيه من بعيد يريد تناوله ولا يقدر عليه بلسانه، ويشير إليه بيده فلا يأتيه أبداً، لأن الماء لا يستجيب، وما الماء ببالغ إليه؛ قاله مجاهد. الثاني: أنه كالظمآن الذي يرى خياله في الماء وقد بسط كفّه فيه ليبلغ فاه وما هو ببالغه، لكذب ظنه، وفساد توهمه؛ قاله ابن عباس. الثالث: أنه كباسط كفه إلى الماء ليقبض عليه فلا يجمد في كفه شيء منه. وزعم الفراء أن المراد بالماء هاهنا البئر؛ لأنها معدن للماء، وأن المثل كمن مدّ يده إلى البئر بغير رِشاء؛ وشاهده قول الشاعر:

فإن الماءَ ماءُ أَبِي وجَدّيوبِئري ذُو حَفَرْتُ وذُو طَوَيْتُ

قال علي رضي الله عنه: هو كالعطشان على شفة البئر، فلا يبلغ قعر البئر، ولا الماء يرتفع إليه؛ ومعنى «إِلاَّ كَبَاسِطِ» إلا كاستجابة باسط كفيه «إِلَى الْمَاءِ» فالمصدر مضاف إلى الباسط، ثم حذف المضاف؛ وفاعل المصدر المضاف مراد في المعنى وهو الماء؛ والمعنى: إلا كإجابة باسط كفيه إلى الماء؛ واللام في قوله: «لِيَبْلُغَ فَاهُ» متعلقة بالبسط؛ وقوله: «وَمَا هُوَ بِبَالِغِهِ» كناية عن الماء؛ أي وما الماء ببالغ فاه. ويجوز أن يكون «هو» كناية عن الفم؛ أي ما الفم ببالغ الماء. { وَمَا دُعَآءُ ٱلْكَافِرِينَ إِلاَّ فِي ضَلاَلٍ } أي ليست عبادة الكافرين الأصنام إلا في ضلال، لأنها شرك. وقيل: إلا في ضلال أي يضلّ عنهم ذلك الدعاء، فلا يجدون منه سبيلاً؛ كما قال: { أَيْنَ مَا كُنتُمْ تَدْعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ قَالُواْ ضَلُّواْ عَنَّا } [الأعراف: 37] وقال ابن عباس: أي أصوات الكافرين محجوبة عن الله فلا يسمع دعاءهم.