التفاسير

< >
عرض

وَضَرَبَ ٱللَّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَداً مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ ٱللَّهِ فَأَذَاقَهَا ٱللَّهُ لِبَاسَ ٱلْجُوعِ وَٱلْخَوْفِ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ
١١٢
-النحل

الجامع لاحكام القرآن

قوله تعالى: { وَضَرَبَ ٱللَّهُ مَثَلاً قَرْيَةً } هذا متصل بذكر المشركين. وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا على مشركي قريش وقال: "اللَّهُمّ ٱشْدُدْ وطأتك على مُضَرَ وٱجعلها عليهم سِنينَ كِسنِي يوسف" . فابتُلُوا بالقحط حتى أكلوا العظام، ووجّه إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم طعاماً ففرّق فيهم. { كَانَتْ آمِنَةً } لا يُهاج أهلها. { يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَداً مِّن كُلِّ مَكَانٍ } من البر والبحر؛ نظيره { { يُجْبَىٰ إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ } [القصص: 57] الآية. { فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ ٱللَّهِ } الأنعم: جمع النِّعمة؛ كالأَشُدّ جمع الشِّدة. وقيل: جمع نُعْمَى؛ مثل بؤسى وأبؤس. وهذا الكفران تكذيب بمحمد صلى الله عليه وسلم. { فَأَذَاقَهَا ٱللَّهُ } أي أذاق أهلها. { لِبَاسَ ٱلْجُوعِ وَٱلْخَوْفِ } سماه لباساً لأنه يظهر عليهم من الهزال وشحوبة اللون وسوء الحال ما هو كاللباس. { بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ } أي من الكفر والمعاصي. وقرأه حفص بن غياث ونصر بن عاصم وابن أبي إسحاق والحسن وأبو عمرو فيما روى عنه عبد الوارث وعبيد وعباس «والخوفَ» نصبا بإيقاع أذاقها عليه، عطفاً على «لباسَ الجوعِ» أي أذاقها الله لباس الجوع وأذاقها الخوف. وهو بعث النبيّ صلى الله عليه وسلم سراياه التي كانت تُطيف بهم. وأصل الذوق بالفم ثم يستعار فيوضع موضع الابتلاء. وضرب مكة مثلاً لغيرها من البلاد؛ أي أنها مع جوار بيت الله وعمارة مسجده لمّا كفر أهلها أصابهم القَحْط فكيف بغيرها من القرى. وقد قيل: إنها المدينة، آمنت برسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم كفرت بأنْعُم الله لقتل عثمان بن عفان، وما حدث بها بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم من الفتن. وهذا قول عائشة وحفصة زَوْجَي النبيّ صلى الله عليه وسلم. وقيل: إنه مَثَل مضروب بأيّ قرية كانت على هذه الصفة من سائر القُرَى.