التفاسير

< >
عرض

وَقِيلَ لِلَّذِينَ ٱتَّقَوْاْ مَاذَا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قَالُواْ خَيْراً لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ فِي هٰذِهِ ٱلْدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَلَدَارُ ٱلآخِرَةِ خَيْرٌ وَلَنِعْمَ دَارُ ٱلْمُتَّقِينَ
٣٠
جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ لَهُمْ فِيهَا مَا يَشَآؤونَ كَذَلِكَ يَجْزِي ٱللَّهُ ٱلْمُتَّقِينَ
٣١
ٱلَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ ٱلْمَلاۤئِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلامٌ عَلَيْكُمُ ٱدْخُلُواْ ٱلْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ
٣٢
-النحل

الجامع لاحكام القرآن

قوله تعالى: { وَقِيلَ لِلَّذِينَ ٱتَّقَوْاْ مَاذَا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قَالُواْ خَيْراً } أي قالوا: أنزل خيراً؛ وتَمّ الكلام. و «ماذا» على هذا اسم واحد. وكان يرِدُ الرجل من العرب مكة في أيام الموسم فيسأل المشركين عن محمد عليه السلام فيقولون: ساحر أو شاعر أو كاهن أو مجنون. ويسأل المؤمنين فيقولون: أنزل الله عليه الخير والهدى، والمراد القرآن. وقيل: إن هذا يقال لأهل الإيمان يوم القيامة. قال الثعلبي: فإن قيل: لِم ٱرتفع الجواب في قوله: { أَسَاطِيرُ ٱلأَوَّلِينَ } وٱنتصب في قوله: «خيرا» فالجواب أن المشركين لم يؤمنوا بالتنزيل، فكأنهم قالوا: الذي يقوله محمد هو أساطير الأوّلين. والمؤمنون آمنوا بالنزول فقالوا: أنزل خيراً. وهذا مفهوم معناه من الإعراب، والحمد لله.

قوله تعالى: { لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ فِي هٰذِهِ ٱلْدُّنْيَا حَسَنَةٌ } قيل: هو من كلام الله عز وجل. وقيل: هو من جملة كلام الذين اتقَوا. والحسنة هنا: الجنة؛ أي من أطاع الله فله الجنة غداً. وقيل: «للذين أحسنوا» اليومَ حسنة في الدنيا من النصر والفتح والغَنِيمة: { وَلَدَارُ ٱلآخِرَةِ خَيْرٌ } أي ما ينالون في الآخرة من ثواب الجنة خير وأعظم من دار الدنيا؛ لفنائها وبقاء الآخرة. { وَلَنِعْمَ دَارُ ٱلْمُتَّقِينَ } فيه وجهان ـ قال الحسن: المعنى ولنعم دار المتقين الدنيا؛ لأنهم نالوا بالعمل فيها ثواب الآخرة ودخول الجنة. وقيل: المعنى ولنعم دار المتقين الآخرة؛ وهذا قول الجمهور. وعلى هذا تكون { جَنَّاتُ عَدْنٍ } بدلاً من الدار فلذلك ارتفع. وقيل: ارتفع على تقدير هي جنات، فهي مبيِّنة لقوله: «دَارُ المتّقِين»، أو تكون مرفوعة بالابتداء، التقدير: جنات عدن نعم دار المتقين. { يَدْخُلُونَهَا } في موضع الصفة، أي مدخولة. وقيل: «جنات» رفع بالابتداء، وخبره «يدخلونها» وعليه يُخَرّج قول الحسن. والله أعلم. { تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ } تقدّم معناه في البقرة. { لَهُمْ فِيهَا مَا يَشَآؤونَ } أي مما تمنّوه وأرادوه. { كَذَلِكَ يَجْزِي ٱللَّهُ ٱلْمُتَّقِينَ } أي مثل هذا الجزاء يجزي الله المتقين. { ٱلَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ ٱلْمَلاۤئِكَةُ طَيِّبِينَ } قرأ الأعمش وحمزة «يتوفاهم الملائكة» في الموضعين بالياء، واختاره أبو عبيد؛ لما روي عن ابن مسعود أنه قال: إن قريشاً زعموا أن الملائكة إناث فذكِّروهم أنتم. الباقون بالتاء؛ لأن المراد به الجماعة من الملائكة. و { طَيِّبِينَ } فيه ستة أقوال: الأوّل ـ «طَيِّبِين» طاهرين من الشرك. الثاني ـ صالحين. الثالث ـ زاكية أفعالهم وأقوالهم. الرابع ـ طيبين الأنفس ثقةً بما يلقونه من ثواب الله تعالى. الخامس ـ طيبة نفوسهم بالرجوع إلى الله. السادس ـ «طيبين» أن تكون وفاتهم طيّبة سهلة لا صعوبة فيها ولا ألم؛ بخلاف ما تقبض به روح الكافر والمخلط. والله أعلم. { يَقُولُونَ سَلامٌ عَلَيْكُمُ } يحتمل وجهين: أحدهما ـ أن يكون السلام إنذاراً لهم بالوفاة. الثاني ـ أن يكون تبشيراً لهم بالجنة؛ لأن السلام أمان. وذكر ابن المبارك قال: حدّثني حَيْوَة قال أخبرني أبو صخر عن محمد بن كعب القُرَظِيّ قال: إذا استنقعت نفس العبد المؤمن جاءه مَلَك الموت فقال: السلام عليك وَلِيَّ الله، الله يقرأ عليك السلام. ثم نزع بهذه الآية «الذين تتوفاهم الملائكة طيّبِين يقولونَ سلام عليكم». وقال ابن مسعود: إذا جاء ملك الموت يقبض روح المؤمن قال: ربّك يقرئك السلام. وقال مجاهد: إن المؤمن ليبَشَّر بصلاح ولده من بعده لتَقَرّ عينه. وقد أتينا على هذا في (كتاب التذكرة) وذكرنا هناك الأخبار الواردة في هذا المعنى، والحمد لله. وقوله: { ٱدْخُلُواْ ٱلْجَنَّةَ } يحتمل وجهين: أحدهما ـ أن يكون معناه ابشروا بدخول الجنة. الثاني ـ أن يقولوا ذلك لهم في الآخرة. { بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ } يعني في الدنيا من الصالحات.