التفاسير

< >
عرض

وَٱلَّذِينَ هَاجَرُواْ فِي ٱللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُواْ لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي ٱلدُّنْيَا حَسَنَةً وَلأَجْرُ ٱلآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ
٤١
-النحل

الجامع لاحكام القرآن

قوله تعالى: { وَٱلَّذِينَ هَاجَرُواْ فِي ٱللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُواْ } قد تقدّم في «النِّساء» معنى الهجرة، وهي ترك الأوطان والأهل والقرابة في الله أو في دين الله، وترك السيئات. وقيل: «في» بمعنى اللام، أي لله. { مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُواْ } أي عُذّبوا في الله. نزلت في صُهَيب وبلال وخبّاب وعمّار، عذبهم أهل مكة حتى قالوا لهم ما أرادوا، فلما خلّوهم هاجروا إلى المدينة؛ قاله الكَلْبِيّ. وقيل: نزلت في أبي جَنْدل بن سهيل. وقال قتادة: المراد أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، ظلمهم المشركون بمكة وأخرجوهم حتى لحق طائفة منهم بالحبشة؛ ثم بوّأهم الله تعالى دار الهجرة وجعل لهم أنصاراً من المؤمنين. والآية تعم الجميع. { لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي ٱلدُّنْيَا حَسَنَةً } في الحسنة ستة أقوال: الأوّل ـ نزول المدينة؛ قاله ابن عباس والحسن والشَّعْبِيّ وقَتادة. الثاني ـ الرزق الحسن؛ قاله مجاهد. الثالث ـ النصر على عدوّهم؛ قاله الضحاك. الرابع ـ إنه لسان صدق؛ حكاه ابن جُريج. الخامس ـ ما استولوا عليه من فتوح البلاد وصار لهم فيها من الولايات. السادس ـ ما بقي لهم في الدنيا من الثناء، وما صار فيها لأولادهم من الشرف. وكل ذلك اجتمع لهم بفضل الله، والحمد لله. { وَلأَجْرُ ٱلآخِرَةِ أَكْبَرُ } أي ولأجر دار الآخرة أكبر، أي أكبر من أن يعلمه أحد قبل أن يشاهده؛ { وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيماً وَمُلْكاً كَبِيراً } }. [الإنسان: 20] { لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ } أي لو كان هؤلاء الظالمون يعلمون ذلك. وقيل: هو راجع إلى المؤمنين. أي لو رأوا ثواب الآخرة وعاينوه لعلموا أنه أكبر من حسنة الدنيا. وروي أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان إذا دفع إلى المهاجرين العطاء قال: هذا ما وعدكم الله في الدنيا وما ادّخر لكم في الآخرة أكثر؛ ثم تلا عليهم هذه الآية.