التفاسير

< >
عرض

وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَآئِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ كِتَاباً يَلْقَاهُ مَنْشُوراً
١٣
ٱقْرَأْ كِتَٰبَكَ كَفَىٰ بِنَفْسِكَ ٱلْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً
١٤
-الإسراء

الجامع لاحكام القرآن

قوله تعالى: { وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَآئِرَهُ فِي عُنُقِهِ } قال الزجاج: ذِكر العنق عبارةٌ عن اللزوم كلزوم القِلادة للعنق. وقال ابن عباس: «طائره» عمله وما قُدّر عليه من خير وشر، وهو ملازمه أينما كان. وقال مقاتل والكلبي: خيره وشره معه لا يفارقه حتى يحاسَب به. وقال مجاهد: عمله ورزقه، وعنه: ما من مولود يولد إلا وفي عنقه ورقة فيها مكتوب شَقِيّ أو سعيد. وقال الحسن: «ألزمناه طائره» أي شقاوته وسعادته وما كتب له من خير وشر وما طار له من التقدير، أي صار له عند القسمة في الأزل. وقيل: أراد به التكليف، أي قدرناه التزام الشرع، وهو بحيث لو أراد أن يفعل ما أمِر به وينزجز عما زُجر به أمكنه ذلك. { وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ كِتَاباً يَلْقَاهُ مَنْشُوراً } يعني كتاب طائرِه الذي في عنقه. وقرأ الحسن وأبو رجاء ومجاهد: «طيره» بغير ألف؛ ومنه ما روي في الخبر: "اللَّهُمّ لا خيرَ إلا خيرُك ولا طَيْرَ إلا طيرك ولا ربّ غيرك" . وقرأ ابن عباس والحسن ومجاهد وابن مُحَيْصِن وأبو جعفر ويعقوب «ويَخْرُج» بفتح الياء وضم الراء، على معنى ويخرج له الطائر كتاباً؛ فـ «كتابا» منصوب على الحال. ويحتمل أن يكون المعنى: ويخرج الطائر فيصير كتاباً. وقرأ يحيـى بن وَثّاب «ويُخْرِج» بضم الياء وكسر الراء؛ وروي عن مجاهد؛ أي يخرج الله. وقرأ شيبة ومحمد بن السَّمَيْقَع، وروي أيضاً عن أبي جعفر: «ويُخْرَج» بضم الياء وفتح الراء على الفعل المجهول، ومعناه: ويُخرج له الطائرُ كتاباً. الباقون «ونخرج» بنون مضمومة وكسر الراء؛ أي ونحن نخرج. احتج أبو عمرو في هذه القراءة بقوله «ألزمناه». وقرأ أبو جعفر والحسن وابن عامر «يُلَقّاه» بضم الياء وفتح اللام وتشديد القاف، بمعنى يؤتاه. الباقون بفتح الياء خفيفة، أي يراه منشوراً. وقال { منشورا } تعجيلا للبشرى بالحسنة والتوبيخ بالسيئة. وقال أبو السوّار العدوي وقرأ هذه الآية { وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَآئِرَهُ فِي عُنُقِهِ } قال: هما نشرتان وَطَيّة؛ أما ما حييت يابن آدم فصحيفتك المنشورة فأَمْلِ فيها ما شئت، فإذا متَّ طُوِيت حتى إذا بُعثت نُشرت. { ٱقْرَأْ كَتَابَكَ } قال الحسن: يقرأ الإنسان كتابه أُمِّيًّا كان أو غير أُمِّيًّا. { كَفَىٰ بِنَفْسِكَ ٱلْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً } أي محاسباً. وقال بعض الصلحاء: هذا كتاب، لسانُك قلمه، ورِيقك مِداده، وأعضاؤك قرطاسه، أنت كنت المُمْلِي على حَفَظتك، ما زِيد فيه ولا نُقص منه، ومتى أنكرت منه شيئاً يكون فيه الشاهد منك عليك.