التفاسير

< >
عرض

ٱلْحَمْدُ لِلَّهِ ٱلَّذِي أَنْزَلَ عَلَىٰ عَبْدِهِ ٱلْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَل لَّهُ عِوَجَا
١
قَيِّماً لِّيُنْذِرَ بَأْساً شَدِيداً مِّن لَّدُنْهُ وَيُبَشِّرَ ٱلْمُؤْمِنِينَ ٱلَّذِينَ يَعْمَلُونَ ٱلصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً حَسَناً
٢
مَّاكِثِينَ فِيهِ أَبَداً
٣
-الكهف

الجامع لاحكام القرآن

قوله تعالى: { ٱلْحَمْدُ لِلَّهِ ٱلَّذِي أَنْزَلَ عَلَىٰ عَبْدِهِ ٱلْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَل لَّهُ عِوَجَا قَيِّماً } ذكر ابن إسحاق: " أن قريشاً بعثوا النضر بن الحارث وعقبة بن أبي معيط إلى أحبار يهود وقالوا لهما: سَلاهم عن محمد وصِفَا لهم صفته وأخبراهم بقوله؛ فإنهم أهل الكتاب الأول، وعندهم علمٌ ليس عندنا من علم الأنبياء؛ فخرجا حتى قدما المدينة، فسألا أحبار يهود عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ووصفا لهم أمره، وأخبراهم ببعض قوله، وقالا لهم: إنكم أهل التوراة وقد جئناكم لتخبرونا عن صاحبنا هذا. فقالت لهما أحبار يهود: سَلُوه عن ثلاث نأمركم بهن، فإن أخبركم بهن فهو نبيّ مرسل، وإن لم يفعل فالرجل متقوِّل، فروا فيه رأيكم؛ سلوه عن فتية ذهبوا في الدهر الأول، ما كان أمرهم؛ فإنه قد كان لهم حديثٌ عَجَب. وسلوه عن رجل طوّاف قد بلغ مشارق الأرض ومغاربها، ما كان نبؤه. وسلوه عن الروح، ما هي؛ فإذا أخبركم بذلك فاتبعوه فإنه نبيّ، وإن لم يفعل فهو رجل متقوِّل فاصنعوا في أمره ما بدا لكم. فأقبل النضر بن الحارث وعقبة بن أبي معيط حتى قدما مكة على قريش فقالا: يا معشر قريش! قد جئناكم بفصل ما بينكم وبين محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ قد أمرنا أحبار يهود أن نسأله عن أشياء أمرونا بها، فإن أخبركم عنها فهو نبيّ، وإن لم يفعل فالرجل متقوِّل، فروا فيه رأيكم. فجاءوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا محمد، أخبرنا عن فتية ذهبوا في الدهر الأول، قد كانت لهم قصة عجب، وعن رجل كان طوّافاً قد بلغ مشارق الأرض ومغاربها، وأخبرنا عن الروح ما هي؟ قال فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: أخبركم بما سألتم عنه غداً ولم يستثن. فانصرفوا عنه، فمكث رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما يزعمون خمس عشرة ليلة، لا يحدث الله إليه في ذلك وَحْياً ولا يأتيه جبريل، حتى أرجف أهل مكة وقالوا: وَعَدَنا محمد غداً، واليوم خمس عشرة ليلة، وقد أصبحنا منها لا يخبرنا بشيء مما سألناه عنه؛ وحتى أحزن رسول الله صلى الله عليه وسلم مُكْثُ الوحي عنه، وشقّ عليه ما يتكلم به أهل مكة، ثم جاءه جبريل عليه السلام من عند الله عز وجل بسورة أصحاب الكهف فيها معاتبته إياه على حزنه عليهم، وخبر ما سألوه عنه من أمر الفتية، والرجل الطواف والروح. قال ابن إسحاق: فذُكر لي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لجبريل: لقد احتبست عني يا جبريل حتى سُؤت ظنًّا فقال له جبريل: { وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلاَّ بِأَمْرِ رَبِّكَ لَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا وَمَا خَلْفَنَا وَمَا بَيْنَ ذٰلِكَ وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيّاً } [مريم: 64]" . فافتتح السورة تبارك وتعالى بحمده، وذكر نبوّة رسوله صلى الله عليه وسلم لما أنكروا عليه من ذلك فقال: { ٱلْحَمْدُ لِلَّهِ ٱلَّذِي أَنْزَلَ عَلَىٰ عَبْدِهِ ٱلْكِتَابَ } يعني محمداً، إنك رسول منّي، أي تحقيق لما سألوا عنه من نبوّتك. { وَلَمْ يَجْعَل لَّهُ عِوَجَاقَيِّماً } أي معتدلاً لا اختلاف فيه. { لِّيُنْذِرَ بَأْساً شَدِيداً مِّن لَّدُنْهُ } أي عاجل عقوبته في الدنيا، وعذاباً أليماً في الآخرة، أي من عند ربك الذي بعثك رسولاً. { وَيُبَشِّرَ ٱلْمُؤْمِنِينَ ٱلَّذِينَ يَعْمَلُونَ ٱلصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً حَسَناً مَّاكِثِينَ فِيهِ أَبَداً } أي دار الخلد لا يموتون فيها، الذين صدّقوك بما جئت به مما كذّبك به غيرهم، وعملوا بما أمرتهم به من الأعمال. { وَيُنْذِرَ ٱلَّذِينَ قَالُواْ ٱتَّخَذَ ٱللَّهُ وَلَداً } يعني قريشاً في قولهم: إنا نعبد الملائكة وهي بنات الله. { مَّا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ وَلاَ لآبَائِهِمْ } الذين أعظموا فراقهم وعيب دينهم. { كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ } أي لقولهم إن الملائكة بنات الله. { إِن يَقُولُونَ إِلاَّ كَذِباً فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ عَلَىٰ آثَارِهِمْ إِن لَّمْ يُؤْمِنُواْ بِهَـٰذَا ٱلْحَدِيثِ أَسَفاً } لحزنه عليهم حين فاته ما كان يرجوه منهم، أي لا تفعل. قال ابن هشام: «باخع نفسك» مُهْلك نفسك؛ فيما حدّثني أبو عبيدة. قال ذو الرُّمّة:

ألا أيّهذا الباخِعُ الوَجْدُ نفسَهبشيء نَحَتْه عن يَدَيْه المَقادِرُ

وجمعها باخعون وبخعة. وهذا البيت في قصيدة له. وتقول العرب: قد بخعت له نُصْحي ونَفْسي، أي جَهَدت له. { إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى ٱلأَرْضِ زِينَةً لَّهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُم أَحْسَنُ عَمَلاً } قال ابن إسحاق: أي أيّهم أتبع لأمري وأعمل بطاعتي. { وَإِنَّا لَجَاعِلُونَ مَا عَلَيْهَا صَعِيداً جُرُزاً } أي الأرض، وإن ما عليها لفانٍ وزائل،وإن المرجع إليّ فأجزي كلاًّ بعمله؛ فلا تأس ولا يحزنك ما ترى وتسمع فيها. قال ابن هشام: الصّعيد وجه الأرض، وجمعه صُعُد. قال ذو الرُّمّة يصف ظبياً صغيراً.

كأنه بالضُّحَا تَرمي الصعيدَ بهدبّابةٌ في عِظام الرأس خُرطوم

وهذا البيت في قصيدة له. والصعيد أيضاً: الطريق، وقد جاء في الحديث: "إياكم والقعود على الصُّعدات" يريد الطرق. والجُرُز: الأرض التي لا تنبت شيئاً، وجمعها أجراز. ويقال: سَنَةٌ جُرُز وسنون أجراز؛ وهي التي لا يكون فيها مطر. وتكون فيها جدوبة ويبس وشدّة. قال ذو الرمّة يصف إبلاً:

طَوَى النَّحْزُ والأجراز ما في بطونهافما بقِيتْ إلا الضّلوع الجراشِعُ

قال ابن إسحاق: ثم استقبل قصة الخبر فيما سألوه عنه من شأن الفتية فقال: { أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ ٱلْكَهْفِ وَٱلرَّقِيمِ كَانُواْ مِنْ آيَاتِنَا عَجَباً } أي قد كان من آياتي فيما وضعت على العباد من حجتي ما هو أعجب من ذلك. قال ابن هشام: والرقيم الكتاب الذي رُقِم بخبرهم، وجمعه رُقُم. قال العَجّاج:

ومُسْتَقَــرِّ المصحـف المُرَقَّـمِ

وهذا البيت في أُرْجوزة له. قال ابن إسحاق: ثم قال: { إِذْ أَوَى ٱلْفِتْيَةُ إِلَى ٱلْكَهْفِ فَقَالُواْ رَبَّنَآ آتِنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً وَهَيِّىءْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَداً فَضَرَبْنَا عَلَىٰ آذَانِهِمْ فِي ٱلْكَهْفِ سِنِينَ عَدَداً ثُمَّ بَعَثْنَاهُمْ لِنَعْلَمَ أَيُّ الحِزْبَيْنِ أَحْصَىٰ لِمَا لَبِثُواْ أَمَداً }. ثم قال: { نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نبَأَهُم بِٱلْحَقِّ } أي بصدق الخبر { إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُواْ بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى وَرَبَطْنَا عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ إِذْ قَامُواْ فَقَالُواْ رَبُّنَا رَبُّ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ لَن نَّدْعُوَاْ مِن دُونِهِ إِلـٰهاً لَّقَدْ قُلْنَا إِذاً شَطَطاً } أي لم يشركوا بي كما أشركتم بي ما ليس لكم به علم. قال ابن هشام: والشَّطَطُ الغُلُوّ ومجاوزة الحق. قال أعشى بني قيس بن ثَعْلبة:

أتنتهون ولا يَنْهَى ذَوِي شَطَطٍكالطعن يذهب فيه الزَّيْت والفُتُلُ

وهذا البيت في قصيدة له. قال ابن إسحاق: { هَـٰؤُلاۤءِ قَوْمُنَا ٱتَّخَذْواْ مِن دُونِهِ آلِهَةً لَّوْلاَ يَأْتُونَ عَلَيْهِم بِسُلْطَانٍ بَيِّنٍ }. قال ابن إسحاق: أي بحجة بالغة. { فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ ٱفْتَرَىٰ عَلَى ٱللَّهِ كَذِباً وَإِذِ ٱعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إَلاَّ ٱللَّهَ فَأْوُوا إِلَى ٱلْكَهْفِ يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُم مِّن رَّحْمَتِهِ وَيُهَيِّىءْ لَكُمْ مِّنْ أَمْرِكُمْ مِّرْفَقاً وَتَرَى ٱلشَّمْسَ إِذَا طَلَعَت تَّزَاوَرُ عَن كَهْفِهِمْ ذَاتَ ٱلْيَمِينِ وَإِذَا غَرَبَت تَّقْرِضُهُمْ ذَاتَ ٱلشِّمَالِ وَهُمْ فِي فَجْوَةٍ مِّنْهُ } قال ابن هشام: تزاور تميل؛ وهو من الزَّور. وقال أبو الزحف الكُلَيْبيّ يصف بلداً:

جَدْب المُنَدَّى عن هَوانَا أزْوَرُيُنْضِي المطايا خِمْسُه العَشَنْزَرُ

وهذان البيتان في أرجوزة له. و«تقرضهم ذات الشمال» تجاوزهم وتتركهم عن شمالها.

قال ذو الرُّمّة:

إلى ظُعُن يَقْرِضن أقواز مُشْرِفٍشِمالاً وعن أيْمانِهن الفوارِسُ

وهذا البيت في قصيدة له. والفجوة: السّعة، وجمعها الفجاء. قال الشاعر:

ألبسْتَ قومَك مَخْزاة ومنقصةًحتى أبِيحُوا وحَلُّوا فَجْوة الدار

{ ذٰلِكَ مِنْ آيَاتِ ٱللَّهِ } أي في الحجة على من عرف ذلك من أمورهم من أهل الكتاب ممن أمر هؤلاء بمسألتك عنهم في صدق نبوّتك بتحقيق الخبر عنهم. { مَن يَهْدِ ٱللَّهُ فَهُوَ ٱلْمُهْتَدِ وَمَن يُضْلِلْ فَلَن تَجِدَ لَهُ وَلِيّاً مُّرْشِداً وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقَاظاً وَهُمْ رُقُودٌ وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ ٱليَمِينِ وَذَاتَ ٱلشِّمَالِ وَكَلْبُهُمْ بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِٱلوَصِيدِ } قال ابن هشام: الوصيد الباب. قال العبسي واسمه عبد بن وهب:

بأرضِ فَلاةٍ لا يُسَدُّ وَصيدُهاعليّ ومعروفي بها غير مُنْكَرِ

وهذا البيت في أبيات له. والوصيد أيضاً الفناء، وجمعه وصائد ووُصُد ووصدان. { لَوِ ٱطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوْلَّيْتَ مِنْهُمْ فِرَاراً } إلى قوله: { ٱلَّذِينَ غَلَبُواْ عَلَىٰ أَمْرِهِمْ } أهل السلطان والملك منهم. { لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَّسْجِداً سَيَقُولُونَ } يعني أحبار اليهود الذين أمروهم بالمسألة عنهم. { ثَلاثَةٌ رَّابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْماً بِٱلْغَيْبِ وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ قُل رَّبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِم مَّا يَعْلَمُهُمْ إِلاَّ قَلِيلٌ فَلاَ تُمَارِ فِيهِمْ } أي لا تكابرهم { إِلاَّ مِرَآءً ظَاهِراً وَلاَ تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مِّنْهُمْ أَحَداً } فإنهم لا علم لهم بهم. { وَلاَ تَقْولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذٰلِكَ غَداً إِلاَّ أَن يَشَآءَ ٱللَّهُ وَٱذْكُر رَّبَّكَ إِذَا نَسِيتَ وَقُلْ عَسَىٰ أَن يَهْدِيَنِ رَبِّي لأَقْرَبَ مِنْ هَـٰذَا رَشَداً } أي لا تقولنّ لشيء سألوك عنه كما قلت في هذا إني مخبركم غدا، واستثن مشيئة الله، واذكر ربك إذا نسيت وقل عسى أن يهديني ربّي لخبر ما سألتموني عنه رَشَدا، فإنك لا تدري ما أنا صانع في ذلك. { وَلَبِثُواْ فِي كَهْفِهِمْ ثَلاثَ مِئَةٍ سِنِينَ وَٱزْدَادُواْ تِسْعاً } أي سيقولون ذلك. { قُلِ ٱللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُواْ لَهُ غَيْبُ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ مَا لَهُم مِّن دُونِهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَداً } أي لم يخف عليه شيء مما سألوك عنه.

قلت: هذا ما وقع في السيرة من خبر أصحاب الكهف ذكرناه على نَسَقه. ويأتي خبر ذي القرنين، ثم نعود إلى أوّل السورة فنقول:

قد تقدّم معنى الحمد لله. وزعم الأخفش والكسائيّ والفرّاء وأبو عبيد وجمهور المتأوّلين أن في أوّل هذه السورة تقديماً وتأخيراً، وأن المعنى: الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب قيّماً ولم يجعل له عوجاً. و«قَيِّماً» نصب على الحال. وقال قتادة: الكلام على سياقه من غير تقديم ولا تأخير، ومعناه: ولم يجعل له عوجاً ولكن جعلناه قيّماً. وقول الضحاك فيه حُسْن، وأن المعنى: مستقيم، أي مستقيم الحكمة لا خطأ فيه ولا فساد ولا تناقض. وقيل: «قيماً» على الكتب السابقة يصدّقها. وقيل: «قيّماً» بالحجج أبداً. «عوجاً» مفعول به؛ والعوج (بكسر العين) في الدين والرأي والأمر والطريق. وبفتحها في الأجسام كالخشب والجدار؛ وقد تقدّم. وليس في القرآن عوج، أي عيب، أي ليس متناقضاً مختلفاً، كما قال تعالى: { { وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ ٱللَّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ ٱخْتِلاَفاً كَثِيراً } [النساء: 82] وقيل: أي لم يجعله مخلوقاً؛ كما روي عن ابن عباس في قوله تعالى: { قُرْآناً عَرَبِيّاً غَيْرَ ذِي عِوَجٍ } [الزمر: 28] قال: غير مخلوق. وقال مقاتل: «عِوَجاً» اختلافاً. قال الشاعر:

أدوم بودّي للصديق تكرُّماًولا خير فيمن كان في الودّ أعْوَجَا

{ لِّيُنْذِرَ بَأْساً شَدِيداً } أي لينذر محمد أو القرآن. وفيه إضمار، أي لينذر الكافرين عقاب الله. وهذا العذاب الشديد قد يكون في الدنيا وقد يكون في الآخرة. { مِّن لَّدُنْهُ } أي من عنده. وقرأ أبو بكر عن عاصم «من لدنه» بإسكان الدال وإشمامها الضم وكسر النون، والهاء موصولة بياء. الباقون «لدُنْهُ» بضم الدال وإسكان النون وضم الهاء. قال الجوهري: وفي «لدن» ثلاث لغات: لَدُن، ولَدَى، ولَدُ. وقال:

مِـن لَـدُ لِحْيَيْـه إلى مُنْحُـوره

المنحور لغة في المَنْحَر.

قوله تعالى: { وَيُبَشِّرَ ٱلْمُؤْمِنِينَ ٱلَّذِينَ يَعْمَلُونَ ٱلصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ } أي بأن لهم. { أَجْراً حَسَناً } وهي الجنة: { مَّاكِثِينَ } دائمين. { فِيهِ أَبَداً } لا إلى غاية. وإن حملت التبشير على البيان لم يحتج إلى الباء في «بأن». والأجر الحسن: الثواب العظيم الذي يؤدي إلى الجنة.