التفاسير

< >
عرض

قُلْ مَن يَكْلَؤُكُم بِٱلْلَّيْلِ وَٱلنَّهَارِ مِنَ ٱلرَّحْمَـٰنِ بَلْ هُمْ عَن ذِكْرِ رَبِّهِمْ مُّعْرِضُونَ
٤٢
أَمْ لَهُمْ آلِهَةٌ تَمْنَعُهُمْ مِّن دُونِنَا لاَ يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَ أَنْفُسِهِمْ وَلاَ هُمْ مِّنَّا يُصْحَبُونَ
٤٣
بَلْ مَتَّعْنَا هَـٰؤُلاۤءِ وَآبَآءَهُمْ حَتَّىٰ طَالَ عَلَيْهِمُ ٱلْعُمُرُ أَفَلاَ يَرَوْنَ أَنَّا نَأْتِي ٱلأَرْضَ نَنقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَآ أَفَهُمُ ٱلْغَالِبُونَ
٤٤
-الأنبياء

الجامع لاحكام القرآن

قوله تعالى: { قُلْ مَن يَكْلَؤُكُم } أي يحرسكم ويحفظكم. والكلاَءة الحراسة والحفظ؛ كلاه الله كِلاَء (بالكسر) أي حفظه وحرسه. يقال: اذهب في كِلاءة الله؛ واكتلأت منهم أي احترست، قال الشاعر هو ابن هَرْمة:

إنّ سليمى واللَّهُ يَكلأُهَاضنَّت بشيء ما كان يَرْزَأُها

وقال آخر:

أَنَخْتُ بَعيرِي وَاكْتَلأْتُ بعَيْنِهِ

وحكى الكسائي والفراء «قُلْ مَنْ يَكْلَوْكُمْ» بفتح اللام وإسكان الواو. وحكيا «مَنْ يَكْلاَكُمْ» على تخفيف الهمزة في الوجهين، والمعروف تحقيق الهمزة وهي قراءة العامة. فأما «يَكْلاَكُمْ» فخطأ من وجهين فيما ذكره النحاس: أحدهما: أن بدل الهمزة إنما يكون في الشعر. والثاني: أنهما يقولان في الماضي كَلَيْتُه، فينقلب المعنى؛ لأن كَلَيته أوجعت كليته، ومن قال لرجل: كَلاَك الله فقد دعا عليه بأن يصيبه الله بالوجع في كُلْيته.

ثم قيل: مخرج اللفظ مخرج الاستفهام والمراد به النفي. وتقديره: قل لا حافظ لكم { بِٱلْلَّيْلِ } إذا نمتم { و } بـ { بِالنَّهَارِ } إذا قمتم وتصرفتم في أموركم. { مِنَ ٱلرَّحْمَـٰنِ } أي من عذابه وبأسه؛ كقوله تعالى: { { فَمَن يَنصُرُنِي مِنَ ٱللَّهِ } [هود: 63] أي من عذاب الله. والخطاب لمن اعترف منهم بالصانع؛ أي إذا أقررتم بأنه الخالق، فهو القادر على إحلال العذاب الذي تستعجلونه. { بَلْ هُمْ عَن ذِكْرِ رَبِّهِمْ } أي عن القرآن. وقيل: عن مواعظ ربهم. وقيل: عن معرفته. { مُّعْرِضُونَ } لاهون غافلون.

قوله تعالى: { أَمْ لَهُمْ آلِهَةٌ } المعنى: ألهم والميم صلة. { تَمْنَعُهُمْ مِّن دُونِنَا } أي من عذابنا. { لاَ يَسْتَطِيعُونَ } يعني الذين زعم هؤلاء الكفار أنهم ينصرونهم لا يستطيعون { نَصْرَ أَنْفُسِهِمْ } فكيف ينصرون عابديهم. { وَلاَ هُمْ مِّنَّا يُصْحَبُونَ } قال ابن عباس: يُمنَعون. وعنه: يُجَارون؛ وهو اختيار الطبري. تقول العرب: أنا لك جار وصاحب من فلان؛ أي مجير منه؛ قال الشاعر:

يُنادِي بأعلى صوتِه متعوِّذاًليُصحَبَ منها والرِّماحُ دَوَانِي

وروى معمر عن ابن أبي نجيح عن مجاهد قال: «يُنْصَرُونَ» أي يحفظون. قتادة: أي لا يصحبهم الله بخير، ولا يجعل رحمته صاحباً لهم.

قوله تعالى: { بَلْ مَتَّعْنَا هَـٰؤُلاۤءِ وَآبَآءَهُمْ } قال ابن عباس: يريد أهل مكة. أي بسطنا لهم ولآبائهم في نعيمها و{ طَالَ عَلَيْهِمُ ٱلْعُمُرُ } في النعمة فظنوا أنها لا تزول عنهم، فاغتروا وأعرضوا عن تدبير حجج الله عز وجل. { أَفَلاَ يَرَوْنَ أَنَّا نَأْتِي ٱلأَرْضَ نَنقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَآ } أي بالظهور عليها لك يا محمد أرضاً بعد أرض، وفتحها بلداً بعد بلدٍ مما حول مكة؛ قال معناه الحسن وغيره. وقيل: بالقتل والسبي؛ حكاه الكلبي. والمعنى واحد. وقد مضى في «الرعد» الكلام في هذا مستوفى. { أَفَهُمُ ٱلْغَالِبُونَ } يعني كفار مكة بعد أن نقصنا من أطرافهم، بل أنت تغلبهم وتظهر عليهم.