قوله تعالى: { أَلَمْ تَرَ أَنَّ ٱللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَن فِي ٱلسَّمَاوَاتِ وَمَن فِي ٱلأَرْضِ } هذه رؤية القلب؛ أي ألم تر بقلبك وعقلك. وتقدّم معنى السجود في «البقرة»، وسجود الجماد في «النحل». { وَٱلشَّمْسُ } معطوفة على «مَن». وكذا { وَٱلْقَمَرُ وَٱلنُّجُومُ وَٱلْجِبَالُ وَٱلشَّجَرُ وَٱلدَّوَآبُّ وَكَثِيرٌ مِّنَ ٱلنَّاسِ }. ثم قال: { وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ ٱلْعَذَابُ } وهذا مشكل في الإعراب، كيف لم ينصب ليعطف ما عمل فيه الفعل على ما عمل فيه الفعل؛ مثل
{ { وَٱلظَّالِمِينَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذَاباً أَلِيماً } [الإنسان: 31]؟ فزعم الكسائي والفرّاء أنه لو نصب لكان حسناً، ولكن اختِير الرفع لأن المعنى وكثير أبى السجود؛ فيكون ابتداء وخبراً، وتم الكلام عند قوله «وكثير من الناس». ويجوز أن يكون معطوفاً، على أن يكون السجود التذلُّلَ والانقيادَ لتدبير الله عز وجل من ضعف وقوّة وصحة وسقم وحسن وقبح، وهذا يدخل فيه كل شيء. ويجوز أن ينتصب على تقدير: وأهان كثيراً حق عليه العذاب، ونحوه. وقيل: تم الكلام عند قوله: «والدّوابُّ» ثم ابتدأ فقال: «وكثير من الناس» في الجنة «وكثير حق عليه العذاب». وكذا روي عن ابن عباس أنه قال: المعنى وكثير من الناس في الجنة وكثير حق عليه العذاب؛ ذكره ابن الأنباري. وقال أبو العالية: ما في السموات نجم ولا قمر ولا شمس إلا يقع ساجداً لله حين يغيب، ثم لا ينصرف حتى يؤذن له فيرجع من مطلعه. قال القُشَيري: وورد هذا في خبر مسند في حق الشمس؛ فهذا سجود حقيقي، ومن ضرورته تركيب الحياة والعقل في هذا الساجد. قلت: الحديث المسند الذي أشار إليه خرجه مسلم، وسيأتي في سورة «يۤس» عند قوله تعالى:
{ { وَٱلشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَّهَـا } [يۤس: 38]. وقد تقدم في البقرة معنى السجود لغة ومعنًى. قوله تعالى: { وَمَن يُهِنِ ٱللَّهُ فَمَا لَهُ مِن مُّكْرِمٍ } أي من أهانه بالشقاء والكفر لا يقدر أحد على دفع الهوان عنه. وقال ابن عباس: إن من تهاون بعبادة الله صار إلى النار. { إِنَّ ٱللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَآءُ } يريد أن مصيرهم إلى النار فلا اعتراض لأحد عليه. وحكى الأخفش والكسائي والفراء «وَمَنْ يُهنِ اللَّهُ فما له من مُكْرَمٍ» أي إكرام.