التفاسير

< >
عرض

ٱلَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ ٱللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَٱلصَّٰبِرِينَ عَلَىٰ مَآ أَصَابَهُمْ وَٱلْمُقِيمِي ٱلصَّلَٰوةِ وَمِمَّا رَزَقْنَٰهُمْ يُنفِقُونَ
٣٥
-الحج

الجامع لاحكام القرآن

فيه مسألتان:

الأولى: قوله تعالى: { وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ } أي خافت وحَذِرت مخالفته. فوصفهم بالخوف والوَجَل عند ذكره، وذلك لقوّة يقينهم ومراعاتهم لربهم، وكأنهم بين يديه، ووصفهم بالصبر وإقامة الصلاة وإدامتها. وروي أن هذه الآية قوله: { وَبَشِّرِ ٱلْمُخْبِتِينَ } نزلت في أبي بكر وعمر وعليّ رضوان الله عليهم. وقرأ الجمهور «الصلاةِ» بالخفض على الإضافة، وقرأ أبو عمرو «الصلاةَ» بالنصب على توهّم النون، وأن حذفها للتخفيف لطول الاسم. وأنشد سيبويه:

الحـافِـظُـو عَـوْرَة الـعَـشِـيـرة....

الثانية: هذه الآية نظير قوله تعالى: { { إِنَّمَا ٱلْمُؤْمِنُونَ ٱلَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ ٱللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَعَلَىٰ رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ } [الأنفال: 2]، وقوله تعالى: { { ٱللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ ٱلْحَدِيثِ كِتَاباً مُّتَشَابِهاً مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ ٱلَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَىٰ ذِكْرِ ٱللَّهِ } [الزمر: 23]. هذه حالة العارفين بالله، الخائفين من سطوته وعقوبته؛ لا كما يفعله جهال العوامّ والمبتدِعة الطُّغام من الزعيق والزئير، ومن النُّهاق الذي يشبه نُهاق الحمير؛ فيقال لمن تعاطى ذلك وزعم أن ذلك وَجْد وخشوع: إنك لم تبلغ أن تساوي حال رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا حال أصحابه في المعرفة بالله تعالى والخوفِ منه والتعظيم لجلاله؛ ومع ذلك فكانت حالهم عند المواعظ الفهمَ عن الله والبكاءَ خوفاً من الله. وكذلك وصف الله تعالى أحوال أهل المعرفة عند سماع ذكره وتلاوة كتابه، ومن لم يكن كذلك فليس على هَدْيهم ولا على طريقتهم؛ قال الله تعالى: { { وَإِذَا سَمِعُواْ مَآ أُنزِلَ إِلَى ٱلرَّسُولِ تَرَىۤ أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ ٱلدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُواْ مِنَ ٱلْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَآ آمَنَّا فَٱكْتُبْنَا مَعَ ٱلشَّاهِدِينَ } [المائدة: 83]. فهذا وصف حالهم وحكاية مقالهم؛ فمن كان مُسْتَنًّا فَلْيَسْتَنّ، ومن تعاطى أحوال المجانين والجنون فهو من أخسّهم حالاً؛ والجنون فنون. روى الصحيح "عن أنس بن مالك أن الناس سألوا النبيّ صلى الله عليه وسلم حتى أحْفَوْه في المسألة، فخرج ذات يوم فصعِد المنبر فقال: سلوني لا تسألوني عن شيء إلا بيّنته لكم ما دمت في مقامي هذا فلما سمع ذلك القومُ أَرَمُّوا ورِهبوا أن يكون بين (يدي) أمرٍ قد حضر. قال أنس: فجعلت ألتفت يميناً وشِمالاً فإذا كل إنسان لافٌّ رأسه في ثوبه يبكي" . وذكر الحديث. وقد مضى القول في هذه المسألة بأشبعَ من هذا في سورة «الأنفال» والحمد لله.