التفاسير

< >
عرض

إِنَّهُ كَانَ فَرِيقٌ مِّنْ عِبَادِي يَقُولُونَ رَبَّنَآ آمَنَّا فَٱغْفِرْ لَنَا وَٱرْحَمْنَا وَأَنتَ خَيْرُ ٱلرَّاحِمِينَ
١٠٩
فَٱتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيّاً حَتَّىٰ أَنسَوْكُمْ ذِكْرِي وَكُنْتُمْ مِّنْهُمْ تَضْحَكُونَ
١١٠
إِنِّي جَزَيْتُهُمُ ٱلْيَوْمَ بِمَا صَبَرُوۤاْ أَنَّهُمْ هُمُ ٱلْفَآئِزُونَ
١١١
-المؤمنون

الجامع لاحكام القرآن

قوله تعالى: { إِنَّهُ كَانَ فَرِيقٌ مِّنْ عِبَادِي يَقُولُونَ رَبَّنَآ آمَنَّا فَٱغْفِرْ لَنَا } الآية. قال مجاهد: هم بِلال وخَبّاب وصُهَيب، وفلان وفلان من ضعفاء المسلمين؛ كان أبو جهل وأصحابه يهزؤون بهم. { فَٱتَّخَذْتُمُوهُمْ سُخْرِيّاً } بالضم قراءة نافع وحمزة والكسائي هاهنا وفي «صۤ». وكسر الباقون. قال النحاس: وفرّق أبو عمرو بينهما، فجعل المكسورة من جهة التهزّؤ، والمضمومة من جهة السُّخْرة، ولا يَعرف هذا التفريق الخليلُ ولا سيبويه ولا الكسائيّ ولا الفرّاء. قال الكسائيّ: هما لغتان بمعنًى واحد؛ كما يقال: عُصِيّ وعِصِيّ، ولُجِيّ ولِجِيّ. وحكى الثّعلبِيّ عن الكسائيّ والفرّاء الفرقَ الذي ذكره أبو عمرو، وأن الكسر بمعنى الاستهزاء والسخرية بالقول، والضَّمّ بمعنى التسخير والاستعباد بالفعل. وقال المبرد: إنما يؤخذ التفريق بين المعاني عن العرب، وأما التأويل فلا يكون. والكسر في سخريّ في المعنيين جميعاً؛ لأن الضمة تستثقل في مثل هذا. { حَتَّىٰ أَنسَوْكُمْ ذِكْرِي } أي حتى اشتغلتم بالاستهزاء بهم عن ذكري. { وَكُنْتُمْ مِّنْهُمْ تَضْحَكُونَ } استهزاء بهم، وأضاف الإنْساء إلى المؤمنين لأنهم كانوا سبباً لاشتغالهم عن ذكره؛ وتعدّى شؤم استهزائهم بالمؤمنين إلى استيلاء الكفر على قلوبهم. { إِنِّي جَزَيْتُهُمُ ٱلْيَوْمَ بِمَا صَبَرُوۤاْ } على أذاكم، وصبروا على طاعتي. { أَنَّهُمْ هُمُ ٱلْفَآئِزُونَ } قرأ حمزة والكسائيّ بكسر الهمزة على ابتداء المدح من الله تعالى لهم، وفتح الباقون؛ أي لأنهم هم الفائزون. ويجوز نصبه بوقوع الجزاء عليه، تقديره: إني جزيتهم اليوم الفوز بالجنة.

قلت: وينظر إلى معنى هذا قوله تعالى في آخر المُطَفِّفِين: { { فَٱلْيَوْمَ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ مِنَ ٱلْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ } [المطففين: 34] إلى آخر السورة، على ما يأتي بيانه هناك إن شاء الله تعالى. ويستفاد من هذا: التحذيرُ من السّخريّة والاستهزاء بالضعفاء والمساكين والاحتقار لهم، والإزراء عليهم والاشتغال بهم فيما لا يعني، وأن ذلك مُبْعِد من الله عز وجل.