التفاسير

< >
عرض

إِنَّ ٱلَّذِينَ هُم مِّنْ خَشْيةِ رَبِّهِمْ مُّشْفِقُونَ
٥٧
وَٱلَّذِينَ هُم بِآيَاتِ رَبَّهِمْ يُؤْمِنُونَ
٥٨
وَٱلَّذِينَ هُم بِرَبِّهِمْ لاَ يُشْرِكُونَ
٥٩
وَٱلَّذِينَ يُؤْتُونَ مَآ آتَواْ وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَىٰ رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ
٦٠
-المؤمنون

الجامع لاحكام القرآن

قوله تعالى: { إِنَّ ٱلَّذِينَ هُم مِّنْ خَشْيةِ رَبِّهِمْ مُّشْفِقُونَ } لما فرغ من ذكر الكفرة وتوعّدهم عقّب ذلك بذكر المؤمنين المسارعين في الخيرات ووعدهم، وذكر ذلك بأبلغ صفاتهم. و{ مُّشْفِقُونَ } خائفون وجِلون مما خوّفهم الله تعالى. { وَٱلَّذِينَ هُم بِآيَاتِ رَبَّهِمْ يُؤْمِنُونَ * وَٱلَّذِينَ هُم بِرَبِّهِمْ لاَ يُشْرِكُونَ وَٱلَّذِينَ يُؤْتُونَ مَآ آتَواْ وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ } قال الحسن: يؤتون الإخلاص ويخافون ألا يقبل منهم. وروى الترمذي "عن عائشة رضي الله عنها زوج النبيّ صلى الله عليه وسلم قالت: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن هذه الآية { وَٱلَّذِينَ يُؤْتُونَ مَآ آتَواْ وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ } قالت عائشة: أهم الذين يشربون الخمر ويسرقون؟ قال: لا يا بنت الصديق ولكنهم الذين يصومون ويصلون ويتصدّقون وهم يخافون ألا يقبل منهم أولئك الذين يسارعون في الخيرات" . وقال الحسن: لقد أدركنا أقواماً كانوا من حسناتهم أن ترد عليهم أشفق منكم على سيئاتكم أن تعذبوا عليها. وقرأت عائشة رضي الله عنها وابنُ عباس والنَّخَعِيّ «والذين يأتون ما أتوا» مقصوراً من الإتيان. قال الفرّاء: ولو صحت هذه القراءة عن عائشة لم تخالف قراءة الجماعة؛ لأن الهمز من العرب من يلزم فيه الألف في كل الحالات إذا كتب؛ فيكتب سُئل الرجل بألف بعد السين، ويستهزئون بألف بين الزاي والواو، وشيءٌ وشيٍ بألف بعد الياء، فغير مستنكر في مذهب هؤلاء أن يكتب «يؤتون» بألف بعد الياء، فيحتمل هذا اللفظ بالبناء على هذا الخط قراءتين «يؤتون ما آتوا» و«يأتون ما أتوا». وينفرد ما عليه الجماعة باحتمال تأويلين: أحدهما: والذين يعطون ما أعطوا من الزكاة والصدقة وقلوبهم خائفة. والآخر: والذين يؤتون الملائكة الذين يكتبون الأعمال على العباد ما آتوا وقلوبهم وجلة؛ فحُذِف مفعولٌ في هذا الباب لوضوح معناه؛ كما حذف في قوله عز وجل: { { فِيهِ يُغَاثُ ٱلنَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ } [يوسف: 49] والمعنى يعصرون السمسم والعنب؛ فاختزِل المفعول لوضوح تأويله. ويكون الأصل في الحرف على هجائه الموجود في الإمام «يأتون» بألف مبدلة من الهمزة فكتبت الألف واواً لتآخي حروف المد واللين في الخفاء؛ حكاه ابن الأنباري. قال النحاس: المعروف من قراءة ابن عباس «والذين يأتون ما أتوا» وهي القراءة المروية عن النبيّ صلى الله عليه وسلم وعن عائشة رضي الله عنها، ومعناها يعملون ما عملوا؛ كما رُوي في الحديث. والوجَل نحو الإشفاق والخوف؛ فالتقِيّ والتائب خوْفه أمر العاقبة وما يطلع عليه بعد الموت. وفي قوله: { أَنَّهُمْ إِلَىٰ رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ } تنبيه على الخاتمة. وفي صحيح البخاري: "وإنما الأعمال بالخواتيم" وأما المخلِّط فينبغي له أن يكون تحت خوفٍ من أن ينفَّذ عليه الوعيد بتخليطه. وقال أصحاب الخواطر: وَجَل العارف مِن طاعته أكثر وجلاً من وجله من مخالفته؛ لأن المخالفة تمحوها التوبة، والطاعة تطلب بتصحيح الغرض. { أَنَّهُمْ } أي لأنهم، أو من أجل «أنهم إلى ربهم راجعون».