التفاسير

< >
عرض

بَلْ قُلُوبُهُمْ فِي غَمْرَةٍ مِّنْ هَـٰذَا وَلَهُمْ أَعْمَالٌ مِّن دُونِ ذٰلِكَ هُمْ لَهَا عَامِلُونَ
٦٣
حَتَّىٰ إِذَآ أَخَذْنَا مُتْرَفِيهِمْ بِٱلْعَذَابِ إِذَا هُمْ يَجْأَرُونَ
٦٤
لاَ تَجْأَرُواْ ٱلْيَوْمَ إِنَّكُمْ مِّنَّا لاَ تُنصَرُونَ
٦٥
-المؤمنون

الجامع لاحكام القرآن

قوله تعالى: { بَلْ قُلُوبُهُمْ فِي غَمْرَةٍ مِّنْ هَـٰذَا } قال مجاهد: أي في غِطاء وغفلة وعَماية عن القرآن. ويقال: غمره الماء إذا غطاه. ونهر غَمْر يغطّي من دخله. ورجل غمر يغمره آراء الناس. وقيل: «غمرة» لأنها تغطّي الوجه. ومنه دخل في غُمار الناس وخُمارهم، أي فيما يغطيه من الجمع. وقيل: «بل قلوبهم في غمرة» أي في حَيْرة وعَمًى؛ أي مما وصف من أعمال البر في الآيات المتقدمة؛ قاله قتادة. أو من الكتاب الذي ينطق بالحق. { وَلَهُمْ أَعْمَالٌ مِّن دُونِ ذٰلِكَ هُمْ لَهَا عَامِلُونَ } قال قتادة ومجاهد: أي لهم خطايا لا بدّ أن يعملوها من دون الحق. وقال الحسن وابن زيد: المعنى ولهم أعمال رديئة لم يعملوها من دون ما هم عليه، لا بدّ أن يعملوها دون أعمال المؤمنين، فيدخلون بها النار، لما سبق لهم من الشِّقوة. ويحتمل ثالثاً: أنه ظلم الخلق مع الكفر بالخالق؛ ذكره الماوردي. والمعنى متقارب. { حَتَّىٰ إِذَآ أَخَذْنَا مُتْرَفِيهِمْ بِٱلْعَذَابِ } يعني بالسيف يوم بدر؛ قاله ابن عباس. وقال الضحاك: يعني بالجوع حين قال النبيّ صلى الله عليه وسلم: "اللَّهُمَّ اشدد وطأتك على مُضَرَ اللَّهُمَّ اجعلها عليهم سنينَ كسِنِيّ يوسف" . فابتلاهم الله بالقحط والجوع حتى أكلوا العظام والميتة والكلاب والجِيف، وهلك الأموال والأولاد. { إِذَا هُمْ يَجْأَرُونَ } أي يضجّون ويستغيثون. وأصل الجُؤار رفع الصوت بالتضرع كما يفعل الثور. وقال الأعشى يصف بقرة:

فطافت ثلاثاً بين يوم وليلةوكان النكير أن تُضِيف وتجأرا

قال الجوهري: الجؤار مثل الخوار؛ يقال: جأر الثور يجأر أي صاح. وقرأ بعضهم «عِجْلاً جَسَداً لَهُ جؤار» حكاه الأخفش. وجأر الرجل إلى الله عز وجل تضرع بالدعاء. قتادة: يَصْرُخون بالتوبة فلا تقبل منهم. قال:

يراوح من صلوات المَلِيكفطَوْراً سجوداً وطَوْراً جؤارا

وقال ابن جريج: { حتّى إذَا أخذنا مُتْرَفِيهِمْ بالْعَذَابِ } هم الذين قتلوا ببدر { إذا هم يَجْأَرُونَ } هم الذين بمكة؛ فجمع بين القولين المتقدمين، وهو حسن. { لاَ تَجْأَرُواْ ٱلْيَوْمَ إِنَّكُمْ مِّنَّا } أي من عذابنا. { لاَ تُنصَرُونَ } لا تمنعون ولا ينفعكم جزعكم. وقال الحسن: لا تنصرون بقبول التوبة. وقيل: معنى هذا النهي الإخبارُ؛ أي إنكم إن تضرعتم لم ينفعكم.