التفاسير

< >
عرض

وَإِذَا دُعُوۤاْ إِلَى ٱللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِّنْهُمْ مُّعْرِضُونَ
٤٨
وَإِن يَكُنْ لَّهُمُ ٱلْحَقُّ يَأْتُوۤاْ إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ
٤٩
أَفِي قُلُوبِهِمْ مَّرَضٌ أَمِ ٱرْتَابُوۤاْ أَمْ يَخَافُونَ أَن يَحِيفَ ٱللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ بَلْ أُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلظَّالِمُونَ
٥٠
-النور

الجامع لاحكام القرآن

فيه أربع مسائل:

الأولى: قوله تعالى: { وَإِذَا دُعُوۤاْ إِلَى ٱللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ } قال الطبري وغيره: إن رجلاً من المنافقين اسمه بشر كانت بينه وبين رجل من اليهود خصومة في أرضٍ، فدعاه اليهودِيّ إلى التحاكم عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان المنافق مبطلاً، فأبى من ذلك وقال: إن محمداً يَحيف علينا؛ فلنُحَكِّم كعب بن الأشرف؛ فنزلت الآية فيه. وقيل: نزلت في المغيرة بن وائل من بني أمية، كان بينه وبين عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه خصومة في ماء وأرض فامتنع المغيرة أن يحاكم عليًّا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال: إنه يُبْغِضني؛ فنزلت الآية، ذكره الماوَرْدِيّ. وقال: «لِيَحْكُم» ولم يقل ليحكما لأن المعنيّ به الرسول صلى الله عليه وسلم، وإنما بدأ بذكر الله إعظاماً لله واستفتاح كلام.

الثانية: قوله تعالى: { وَإِن يَكُنْ لَّهُمُ ٱلْحَقُّ يَأْتُوۤاْ إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ } أي طائعين منقادين؛ لعلمهم أنه عليه السلام يحكم بالحق. يقال: أذعن فلان لحكم فلان يُذعِن إذعاناً. وقال النقاش: «مذعنين» خاضعين، مجاهد: مسرعين. الأخفش وابن الأعرابي: مُقِرّين. { أَفِي قُلُوبِهِمْ مَّرَضٌ } شكّ ورَيْب. { أَمِ ٱرْتَابُوۤاْ } أم حَدَث لهم شك في نبوّته وعدله. { أَمْ يَخَافُونَ أَن يَحِيفَ ٱللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ } أي يجور في الحكم والظلم. وأتى بلفظ الاستفهام لأنه أشد في التوبيخ وأبلغ في الذّم؛ كقول جَرير في المدح:

ألستم خير من ركب المطايَاوأنْدَى العالمين بُطُونَ راحِ

{ بَلْ أُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلظَّالِمُونَ } أي المعاندون الكافرون؛ لإعراضهم عن حكم الله تعالى.

الثالثة: القضاء يكون للمسلمين إذا كان الحكم بين المُعَاهَد والمسلم ولا حقّ لأهل الذِّمة فيه. وإذا كان بين ذِمِّيّين فذلك إليهما. فإن جاءا قاضي الإسلام فإن شاء حكم وإن شاء أعرض؛ كما تقدم في «المائدة».

الرابعة: هذه الآية دليل على وجوب إجابة الداعي إلى الحاكم لأن الله سبحانه ذمّ من دُعي إلى رسوله ليحكم بينه وبين خصمه بأقبح الذم فقال: «أَفِي قُلُوبِهِمْ مرض» الآية. قال ابن خُوَيْزِمنداد: واجب على كل من دُعي إلى مجلس الحاكم أن يجيب، ما لم يعلم أن الحاكم فاسق، أو عداوة بين المدّعي والمدّعى عليه. وأسند الزهراوِي عن الحسن بن أبي الحسن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من دعاه خصمه إلى حاكم من حكام المسلمين فلم يُجب فهو ظالم ولا حقّ له" . ذكره الماوَرْدِيّ أيضاً. قال ابن العربي: وهذا حديث باطل؛ فأما قوله: «فهو ظالم» فكلام صحيح، وأما قوله «فلا حقّ له» فلا يصح، ويحتمل أن يريد أنه على غير الحق.