التفاسير

< >
عرض

وَقَالَ ٱلَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَآءَنَا لَوْلاَ أُنْزِلَ عَلَيْنَا ٱلْمَلاَئِكَةُ أَوْ نَرَىٰ رَبَّنَا لَقَدِ ٱسْتَكْبَرُواْ فِيۤ أَنفُسِهِمْ وَعَتَوْا عُتُوّاً كَبِيراً
٢١
يَوْمَ يَرَوْنَ ٱلْمَلاَئِكَةَ لاَ بُشْرَىٰ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُجْرِمِينَ وَيَقُولُونَ حِجْراً مَّحْجُوراً
٢٢
-الفرقان

الجامع لاحكام القرآن

قوله تعالى: { وَقَالَ ٱلَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَآءَنَا } يريد لا يخافون البعث ولقاء الله، أي لا يؤمنون بذلك. قال:

إذا لَسَعْته النحلُ لم يَرْجُ لَسْعَهَاوخَالَفَهَا في بيت نُوبٍ عَوامِل

وقيل: { لاَ يَرْجُونَ } لا يبالون. قال:

لعمركَ ما أرجو إذا كنتُ مُسْلِماًعلى أيِّ جنْبٍ كان في الله مَصْرَعِي

ابن شجرة: لا يأملون؛ قال:

أترجو أُمَّةٌ قتلتْ حسيناًشفاعَة جدّه يومَ الحسابِ

{ لَوْلاَ أُنْزِلَ } أي هلا أنزل. { عَلَيْنَا ٱلْمَلاَئِكَةُ } فيخبروا أن محمداً صادق. { أَوْ نَرَىٰ رَبَّنَا } عِياناً فيخبرنا برسالته. نظيره قوله تعالى: { { وَقَالُواْ لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّىٰ تَفْجُرَ لَنَا مِنَ ٱلأَرْضِ يَنْبُوعاً } [الإسراء: 90] إلى قوله: { { أَوْ تَأْتِيَ بِٱللَّهِ وَٱلْمَلاۤئِكَةِ قَبِيلاً } [الإسراء: 92]. قال الله تعالى: { لَقَدِ ٱسْتَكْبَرُواْ فِيۤ أَنفُسِهِمْ وَعَتَوْا عُتُوّاً كَبِيراً } حيث سألوا الله الشطط؛ لأن الملائكة لا ترى إلا عند الموت أو عند نزول العذاب، والله تعالى لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار، فلا عين تراه. وقال مقاتل: { عُتُوًّا } علواً في الأرض. والعتوّ: أشدّ الكفر وأفحش الظلم. وإذا لم يكتفوا بالمعجزات وهذا القرآن فكيف يكتفون بالملائكة؟ وهم لا يميزون بينهم وبين الشياطين، ولا بدّ لهم من معجزة يقيمها من يدّعي أنه ملَك، وليس للقوم طلب معجزة بعد أن شاهدوا معجزة، وأن { يَوْمَ يَرَوْنَ ٱلْمَلاَئِكَةَ لاَ بُشْرَىٰ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُجْرِمِينَ } يريد أن الملائكة لا يراها أحد إلا عند الموت، فتبشر المؤمنين بالجنة، وتضرب المشركين والكفار بمقامع الحديد حتى تخرج أنفسهم. { وَيَقُولُونَ حِجْراً مَّحْجُوراً } يريد تقول الملائكة حراماً محرماً أن يدخل الجنة إلا من قال لا إلٰه إلا الله، وأقام شرائعها؛ عن ابن عباس وغيره. وقيل: إن ذلك يوم القيامة؛ قاله مجاهد وعطية العوفيّ. قال عطية: إذا كان يوم القيامة تلقى المؤمن بالبشرى: فإذا رأى ذلك الكافر تمناه فلم يره من الملائكة. وانتصب { يَوْمَ يَرَوْنَ } بتقدير لا بشرى للمجرمين يوم يرون الملائكة. { يومَئِذٍ } تأكيد لـ{ ـيَوْمَ يَرَوْنَ }. قال النحاس: لا يجوز أن يكون { يَوَمْ يَرَوْنَ } منصوباً بـ{ ـبُشْرَى } لأن ما في حيز النفي لا يعمل فيما قبله، ولكن فيه تقدير أن يكون المعنى يمنعون البشارة يوم يرون الملائكة؛ ودلّ على هذ الحذف ما بعده. ويجوز أن يكون التقدير: لا بشرى تكون يوم يرون الملائكة، و{ يَوْمَئِذٍ } مؤكد. ويجوز أن يكون المعنى: اذكر يوم يرون الملائكة: ثم ابتدأ فقال: { لاَ بُشْرَىٰ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُجْرِمِينَ وَيَقُولُونَ حِجْراً مَّحْجُوراً } أي وتقول الملائكة حراماً محرّماً أن تكون لهم البشرى إلا للمؤمنين. قال الشاعر:

أَلاَ أَصْبَحتْ أسماءُ حِجْراً مُحرَّماًوأَصْبَحْتُ من أَدْنَى حُمُوَّتِها حَمَا

أراد ألا أصبحت أسماء حراماً محرماً.

وقال آخر:

حنَّت إلى النَّخْلَةِ الْقُصْوَى فقلتُ لهاحِجْرٌ حرامٌ أَلاَ تِلْكَ الدَّهارِيسُ

وروي عن الحسن أنه قال: «وَيَقُولُونَ حِجْراً» وقفٌ من قول المجرمين؛ فقال الله عز وجل: { مَحْجُوراً } عليهم أن يعاذوا أو يجاروا؛ فحجر الله ذلك عليهم يوم القيامة. والأوّل قول ابن عباس. وبه قال الفرّاء؛ قاله ابن الأنباريّ. وقرأ الحسن وأبو رجاء: { حُجْراً } بضم الحاء والناس على كسرها. وقيل: إن ذلك من قول الكفار قالوه لأنفسهم؛ قاله قتادة فيما ذكر الماوردي. وقيل: هو قول الكفار للملائكة. وهي كلمة استعاذة وكانت معروفة في الجاهلية؛ فكان إذا لقي الرجل من يخافه قال: حجراً محجوراً؛ أي حراماً عليك التعرض لي. وانتصابه على معنى: حجرت عليك، أو حجر الله عليك؛ كما تقول: سقيا ورعيا. أي إن المجرمين إذا رأوا الملائكة يلقونهم في النار قالوا: نعوذ بالله منكم؛ ذكره القشيريّ، وحكى معناه المهدوي عن مجاهد. وقيل: { حِجْراً } من قول المجرمين. { مَحْجُوراً } من قول الملائكة؛ أي قالوا للملائكة نعوذ بالله منكم أن تتعرضوا لنا. فتقول الملائكة: { مَحْجُوراً } أن تعاذوا من شر هذا اليوم؛ قاله الحسن.