التفاسير

< >
عرض

وَإِذْ نَادَىٰ رَبُّكَ مُوسَىٰ أَنِ ٱئْتِ ٱلْقَوْمَ ٱلظَّالِمِينَ
١٠
قَوْمَ فِرْعَوْنَ أَلا يَتَّقُونَ
١١
قَالَ رَبِّ إِنِّيۤ أَخَافُ أَن يُكَذِّبُونِ
١٢
وَيَضِيقُ صَدْرِي وَلاَ يَنطَلِقُ لِسَانِي فَأَرْسِلْ إِلَىٰ هَارُونَ
١٣
وَلَهُمْ عَلَيَّ ذَنبٌ فَأَخَافُ أَن يَقْتُلُونِ
١٤
قَالَ كَلاَّ فَٱذْهَبَا بِآيَاتِنَآ إِنَّا مَعَكُمْ مُّسْتَمِعُونَ
١٥
-الشعراء

الجامع لاحكام القرآن

قوله تعالى: { وَإِذْ نَادَىٰ رَبُّكَ مُوسَىٰ } { إِذْ } في موضع نصب؛ المعنى: واتل عليهم { وَإِذْ نَادَىٰ رَبُّكَ مُوسَىٰ } ويدلّ على هذا أنّ بعده. { وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ إِبْرَاهِيمَ } ذكره النحاس. وقيل: المعنى؛ واذكر إذ نادى كما صرح به في قوله: { { وَٱذْكُرْ أَخَا عَادٍ } [الأحقاف: 21] وقوله: { { وَٱذْكُرْ عِبَادَنَآ إِبْرَاهِيمَ } [صۤ: 45] وقوله: { { وَٱذْكُرْ فِي ٱلْكِتَابِ مَرْيَمَ } [مريم: 16]. وقيل: المعنى؛ { وَإِذْ نَادَى رَبُّكَ مُوسَى } كان كذا وكذا. والنداء الدعاء بيا فلان، أي قال ربك يا موسى { أَنِ ٱئْتَ ٱلْقَوْمَ ٱلظَّالِمِينَ } ثم أخبر من هم فقال: { قَوْمَ فِرْعَوْنَ أَلا يَتَّقُونَ } فـ{ ـقومَ } بدل؛ ومعنى { أَلاَ يَتَّقُونَ } ألا يخافون عقاب الله؟ وقيل هذا من الإيماء إلى الشيء لأنه أمره أن يأتي القوم الظالمين، ودلّ قوله: { يَتَّقُونَ } على أنهم لا يتقون، وعلى أنه أمرهم بالتقوى. وقيل: المعنى؛ قل لهم { أَلاَ تَتَّقُونَ } وجاء بالياء لأنهم غيب وقت الخطاب، ولو جاء بالتاء لجاز. ومثله { { قُلْ لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ سَتُغْلَبُونَ } [آل عمران: 12] بالتاء والياء. وقد قرأ عبيد بن عمير وأبو حازم { أَلاَ تَتَّقُونَ } بتاءين أي قل لهم { أَلاَ تَتَّقُونَ }. { قَالَ رَبِّ } أي قال موسى { رَبِّ إِنِّيۤ أَخَافُ أَن يُكَذِّبُونِ } أي في الرسالة والنبوة. { وَيَضِيقُ صَدْرِي } لتكذيبهم إياي. وقراءة العامة { وَيَضيقُ } { وَلاَ يَنْطَلِقُ } بالرفع على الاستئناف. وقرأ يعقوب وعيسى بن عمر وأبو حيوة { وَيَضِيقَ ـ وَلاَ يَنْطَلِقَ } بالنصب فيهما ردّاً على قوله: { أَنْ يُكَذِّبُونِ } قال الكسائي: القراءة بالرفع؛ يعني في { يَضِيقُ صَدْرِي وَلاَ يَنْطَلِقُ لِسَانِي } يعني نسقاً على { إِنِّي أَخَافُ }. قال الفراء: ويقرأ بالنصب. حكي ذلك عن الأعرج وطلحة وعيسى بن عمر وكلاهما له وجه. قال النحاس: الوجه الرفع؛ لأن النصب عطف على { يُكَذِّبُونِ } وهذا بعيد يدلّ على ذلك قوله عز وجل: { وَٱحْلُلْ عُقْدَةً مِّن لِّسَانِي * يَفْقَهُواْ قَوْلِي } [طه: 27 ـ 28] فهذا يدلّ على أن هذه كذا. ومعنى، { وَلاَ يَنْطَلِقُ لِسَانِي } في المحاجة على ما أحب؛ وكان في لسانه عُقْدة على ما تقدّم في «طه». { فَأَرْسِلْ إِلَىٰ هَارُونَ } أرسل إليه جبريل بالوحي، واجعله رسولاً معي ليؤازرني ويظاهرني ويعاونني. ولم يذكر هنا ليعينني؛ لأن المعنى كان معلوماً، وقد صرح به في سورة «طه»: { وَاجْعَلْ لِي وَزِيراً } وفي القصص: { { أَرْسِلْهِ مَعِيَ رِدْءاً يُصَدِّقُنِي } [القصص: 34] وكأن موسى أذن له في هذا السؤال، ولم يكن ذلك استعفاء من الرسالة بل طلب من يعينه. ففي هذا دليل على أن من لا يستقل بأمر، ويخاف من نفسه تقصيراً، أن يأخذ من يستعين به عليه، ولا يلحقه في ذلك لوم. { وَلَهُمْ عَلَيَّ ذَنبٌ فَأَخَافُ أَن يَقْتُلُونِ } الذنب هنا قتل القبطي واسمه فاثور على ما يأتي في «القصص» بيانه، وقد مضى في «طه» ذكره. وخاف موسى أن يقتلوه به، ودلّ على أن الخوف قد يصحب الأنبياء والفضلاء والأولياء مع معرفتهم بالله وأن لا فاعل إلا هو؛ إذ قد يسلط من شاء على من شاء { قَالَ كَلاَّ } أي كلا لن يقتلوك. فهو ردع وزجر عن هذا الظن، وأمر بالثقة بالله تعالى؛ أي ثق بالله وانزجر عن خوفك منهم؛ فإنهم لا يقدرون على قتلك، ولا يقوون عليه. { فَٱذْهَبَا } أي أنت وأخوك فقد جعلته رسولاً معك. { بِآيَاتِنَآ } أي ببراهيننا وبالمعجزات. وقيل: أي مع آياتنا. { إِنَّا مَعَكُمْ } يريد نفسه سبحانه وتعالى. { مُّسْتَمِعُونَ } أي سامعون ما يقولون وما يجاوبون. وإنما أراد بذلك تقوية قلبيهما وأنه يعينهما ويحفظهما. والاستماع إنما يكون بالإصغاء، ولا يوصف الباري سبحانه بذلك. وقد وصف سبحانه نفسه بأنه السميع البصير. وقال في «طه»: { { أَسْمَعُ وَأَرَىٰ } [طه: 46] وقال: { مَعَكُمْ } فأجراهما مجرى الجمع؛ لأن الاثنين جماعة. ويجوز أن يكون لهما ولمن أرسلا إليه. ويجوز أن يكون لجميع بني إسرائيل.