التفاسير

< >
عرض

أَوَ لَمْ يَكُن لَّهُمْ آيَةً أَن يَعْلَمَهُ عُلَمَاءُ بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ
١٩٧
وَلَوْ نَزَّلْنَاهُ عَلَىٰ بَعْضِ ٱلأَعْجَمِينَ
١٩٨
فَقَرَأَهُ عَلَيْهِم مَّا كَانُوا بِهِ مُؤْمِنِينَ
١٩٩
كَذَلِكَ سَلَكْنَاهُ فِي قُلُوبِ ٱلْمُجْرِمِينَ
٢٠٠
لاَ يُؤْمِنُونَ بِهِ حَتَّىٰ يَرَوُاْ ٱلْعَذَابَ ٱلأَلِيمَ
٢٠١
فَيَأْتِيَهُم بَغْتَةً وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ
٢٠٢
فَيَقُولُواْ هَلْ نَحْنُ مُنظَرُونَ
٢٠٣
-الشعراء

الجامع لاحكام القرآن

قوله تعالى: { أَوَ لَمْ يَكُن لَّهُمْ آيَةً أَن يَعْلَمَهُ عُلَمَاءُ بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ } قال مجاهد: يعني عبد الله بن سَلاَم وسلمان وغيرهما ممن أسلم. وقال ابن عباس: بعث أهل مكة إلى اليهود وهم بالمدينة يسألونهم عن محمد عليه السلام، فقالوا: إن هذا لزمانه، وإنا لنجد في التوراة نعته وصفته. فيرجع لفظ العلماء إلى كل من كان له علم بكتبهم أسلم أو لم يسلم على هذا القول. وإنما صارت شهادة أهل الكتاب حجة على المشركين؛ لأنهم كانوا يرجعون في أشياء من أمور الدين إلى أهل الكتاب؛ لأنهم مظنون بهم علمٌ. وقرأ ابن عامر؛ { أَوَلَمْ تَكُنْ لَهُمْ آيَةٌ }. الباقون { أَوَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ آيَةً } بالنصب على الخبر واسم يكن { أَنْ يَعْلَمَهُ } والتقدير أولم يكن لهم علم علماء بني إسرائيل الذين أسلموا آية واضحة. وعلى القراءة الأولى اسم كان «آيةٌ» والخبر { أَنْ يَعْلَمَهُ عُلَمَاءُ بَنِي إِسْرَائِيلَ }. وقرأ عاصم الجحدري { أَنْ تَعْلَمَهُ عُلَمَاءُ بَنِي إِسْرَائِيلَ }. { وَلَوْ نَزَّلْنَاهُ عَلَىٰ بَعْضِ ٱلأَعْجَمِينَ } أي على رجل ليس بعربيّ اللسان { فَقَرَأَهُ عَلَيْهِم } بغير لغة العرب لما آمنوا ولقالوا لا نفقه. نظيره { { وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآناً أعْجَمِيّاً } [فصلت: 44] الآية. وقيل: معناه ولو نزلناه على رجل ليس من العرب لما آمنوا به أنفة وكبرا. يقال: رجل أعجم وأعجميّ إذا كان غير فصيح وإن كان عربياً، ورجل عجميّ وإن كان فصيحاً ينسب إلى أصله؛ إلا أن الفرّاء أجاز أن يقال رجل عجميّ بمعنى أعجميّ. وقرأ الحسن «عَلَىَ بَعْضِ الأَعْجَمِيِّينَ» مشدّدة بياءين جعله نسبة. ومن قرأ { الأَعْجَمِينَ } فقيل: إنه جمع أعجم. وفيه بعد؛ لأن ما كان من الصفات الذي مؤنثه فعلاء لا يجمع بالواو والنون، ولا بالألف والتاء؛ لا يقال أحمرون ولا حمراوات. وقيل: إن أصله الأعجمين كقراءة الجحدري ثم حذفت ياء النسب، وجعل جمعه بالياء والنون دليلاً عليها. قاله أبو الفتح عثمان بن جِنِّي. وهو مذهب سيبويه.

قوله تعالى: { كَذَلِكَ سَلَكْنَاهُ } يعني القرآن أي الكفر به { فِي قُلُوبِ ٱلْمُجْرِمِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِهِ }. وقيل: سلكنا التكذيب في قلوبهم؛ فذلك الذي منعهم من الإيمان؛ قاله يحيـى بن سلاّم. وقال عكرمة: القسوة. والمعنى متقارب وقد مضى في «الحجر». وأجاز الفرّاء الجزم في { لاَ يُؤمِنُونَ }؛ لأن فيه معنى الشرط والمجازاة. وزعم أن من شأن العرب إذا وضعت لا موضع كي لا في مثل هذا ربما جزمت ما بعدها وربما رفعت؛ فتقول: ربطت الفرس لا ينفلت بالرفع والجزم؛ لأن معناه إن لم أربطه ينفلت، والرفع بمعنى كيلا ينفلت. وأنشد لبعض بني عُقيل:

وحتى رأينا أحسَن الفعلِ بيننامُسَاكَنَةً لا يقرِفُ الشرَّ قارِفُ

بالرفع لما حذف كي. ومن الجزم قول الآخر:

لَطَالَمَا حَلاتُمَاها لا تَرِدْفخلِّياها والسِّجالَ تَبْتَرِدْ

قال النحاس: وهذا كله في { يُوْمِنُونَ } خطأ عند البصريين، ولا يجوز الجزم بلا جازم، ولا يكون شيء يعمل عملاً فإذا حذف عمل عملاً أقوى من عمله وهو موجود؛ فهذا احتجاج بيِّن. { حَتَّىٰ يَرَوُاْ ٱلْعَذَابَ ٱلأَلِيمَ } { فَيَأْتِيَهُم بَغْتَةً } أي العذاب. وقرأ الحسن { فَتَأْتِيَهُمْ } بالتاء؛ والمعنى: فتأتيهم الساعة بغتة فأضمرت لدلالة العذاب الواقع فيها، ولكثرة ما في القرآن من ذكرها. وقال رجل للحسن وقد قرأ { فَتَأْتِيَهُم }: يا أبا سعيد إنما يأتيهم العذاب بغتة. فانتهره وقال: إنما هي الساعة تأتيهم بغتة أي فجأة. { وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ } بإتيانها. { فَيَقُولُواْ هَلْ نَحْنُ مُنظَرُونَ } أي مؤخَّرون وممَهلون. يطلبون الرجعة هنالك فلا يجابون إليها. قال القشيري: وقوله { فَيَأْتِيَهُمْ } ليس عطفاً على قوله: { حَتَّى يَرَوُا } بل هو جواب قوله: { لاَ يُوْمِنُونَ } فلما كان جواباً للنفي انتصب؛ وكذلك قوله: { فَيَقُولُوا }.