التفاسير

< >
عرض

وَمَكَرُواْ مَكْراً وَمَكَرْنَا مَكْراً وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ
٥٠
فَٱنظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنَّا دَمَّرْنَاهُمْ وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ
٥١
فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً بِمَا ظَلَمُوۤاْ إِنَّ فِي ذٰلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَعْلَمُونَ
٥٢
وَأَنجَيْنَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ
٥٣
-النمل

الجامع لاحكام القرآن

{ وَمَكَرُواْ مَكْراً وَمَكَرْنَا مَكْراً وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ } مكرهم ما روي أن هؤلاء التسعة لما كان في صدر الثلاثة الأيام بعد عقر الناقة، وقد أخبرهم صالح بمجيء العذاب، اتفقوا وتحالفوا على أن يأتوا دار صالح ليلاً ويقتلوه وأهله المختصين به؛ قالوا: فإذا كان كاذباً في وعيده أوقعنا به ما يستحق، وإن كان صادقاً كنا عجلناه قبلنا، وشفينا نفوسنا؛ قاله مجاهد وغيره. قال ابن عباس: أرسل الله تعالى الملائكة تلك الليلة، فامتلأت بهم دار صالح، فأتى التسعة دار صالح شاهرين سيوفهم، فقتلتهم الملائكة رضخاً بالحجارة فيرون الحجارة ولا يرون من يرميها. وقال قتادة: خرجوا مسرعين إلى صالح، فسلطّ عليهم ملك بيده صخرة فقتلهم. وقال السديّ: نزلوا على جرف من الأرض، فانهار بهم فأهلكهم الله تحته. وقيل: اختفوا في غار قريب من دار صالح، فانحدرت عليهم صخرة شدختهم جميعاً؛ فهذا ما كان من مكرهم. ومكر الله مجازاتهم على ذلك. { فَٱنظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنَّا دَمَّرْنَاهُمْ وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ } أي بالصيحة التي أهلكتهم. وقد قيل: إن هلاك الكل كان بصيحة جبريل. والأظهر أن التسعة هلكوا بعذاب مفرد؛ ثم هلك الباقون بالصيحة والدمدمة. وكان الأعمش والحسن وابن أبي إسحاق وعاصم وحمزة والكسائي يقرؤون: { أَنَّا } بالفتح؛ وقال ابن الأنباري: فعلى هذا المذهب لا يحسن الوقف على { عَاقِبَةُ مَكْرِهِمْ } لأن { أَنَّا دَمَّرْنَاهُمْ } خبر كان. ويجوز أن تجعلها في موضع رفع على الإتباع للعاقبة. ويجوز أن تجعلها في موضع نصب من قول الفرّاء، وخفض من قول الكسائي على معنى: بأنا دمرناهم ولأنا دمرناهم. ويجوز أن تجعلها في موضع نصب على الإتباع لموضع { كَيْفَ } فمن هذه المذاهب لا يحسن الوقف على { مَكْرِهِمْ }. وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو: { إِنَّا دَمَّرْنَاهُمْ } بكسر الألف على الاستئناف؛ فعلى هذا المذهب يحسن الوقف على «مَكْرِهِمْ». قال النحاس: ويجوز أن تنصب { عَاقِبَةُ } على خبر { كَانَ } ويكون { إِنَّا } في موضع رفع على أنها اسم «كان». ويجوز أن تكون في موضع رفع على إضمار مبتدأ تبييناً للعاقبة؛ والتقدير: هي إنا دمرناهم؛ قال أبو حاتم: وفي حرف أُبَيّ { أَنْ دَمَّرْنَاهُمْ } تصديقاً لفتحها.

قوله تعالى: { فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً بِمَا ظَلَمُوۤاْ } قراءة العامة بالنصب على الحال عند الفرّاء والنحاس؛ أي خالية عن أهلها خراباً ليس بها ساكن. وقال الكسائي وأبو عبيدة: { خَاوِيَةً } نصب على القطع؛ مجازه؛ فتلك بيوتهم الخاوية، فلما قطع منها الألف واللام نصب على الحال؛ كقوله: { وَلَهُ ٱلدِّينُ وَاصِباً } [النحل: 52]. وقرأ عيسى بن عمر ونصر بن عاصم والجحدري: بالرفع على أنها خبر عن { تِلْكَ } و{ بُيُوتُهُمْ } بدل من { تِلْكَ }. ويجوز أن تكون { بُيُوتُهُمْ } عطف بيان و{ خَاوِيَةٌ } خبر عن { تِلْكَ }. ويجوز أن يكون رفع { خَاوِيَةٌ } على أنها خبر ابتداء محذوف؛ أي هي خاوية، أو بدل من { بُيُوتُهُمْ } لأن النكرة تبدل من المعرفة. { إِنَّ فِي ذٰلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَعْلَمُونَ وَأَنجَيْنَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ } بصالح { وَكَانُواْ يَتَّقُونَ } الله ويخافون عذابه. قيل: آمن بصالح قدر أربعة آلاف رجل. والباقون خرج بأبدانهم ـ في قول مقاتل وغيره ـ خُرَاجٌ مثل الحمّص؛ وكان في اليوم الأوّل أحمر، ثم صار من الغد أصفر، ثم صار في الثالث أسود. وكان عقر الناقة يوم الأربعاء، وهلاكهم يوم الأحد. قال مقاتل: فقعت تلك الخراجات، وصاح جبريل بهم خلال ذلك صيحة فخمدوا، وكان ذلك ضحوة. وخرج صاح بمن آمن معه إلى حضرموت؛ فلما دخلها مات صالح؛ فسميت حضرموت. قال الضحاك: ثم بنى الأربعة الآلاف مدينة يقال لها حاضورا؛ على ما تقدّم بيانه في قصة أصحاب الرسّ.