التفاسير

< >
عرض

وَلَوْلاۤ أَن تُصِيبَهُم مُّصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَيَقُولُواْ رَبَّنَا لَوْلاۤ أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولاً فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ وَنَكُونَ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ
٤٧
فَلَمَّا جَآءَهُمُ ٱلْحَقُّ مِنْ عِندِنَا قَالُواْ لَوْلاۤ أُوتِيَ مِثْلَ مَآ أُوتِيَ مُوسَىٰ أَوَلَمْ يَكْفُرُواْ بِمَآ أُوتِيَ مُوسَىٰ مِن قَبْلُ قَالُواْ سِحْرَانِ تَظَاهَرَا وَقَالُواْ إِنَّا بِكُلٍّ كَافِرُونَ
٤٨
-القصص

الجامع لاحكام القرآن

قوله تعالى: { وَلَوْلاۤ أَن تُصِيبَهُم } يريد قريشاً. وقيل: اليهود. { مُّصِيبَةٌ } أي عقوبة ونقمة { بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ } من الكفر والمعاصي. وخص الأيدي بالذكر؛ لأن الغالب من الكسب إنما يقع بها. وجواب { لَوْلا } محذوف أي لولا أن يصيبهم عذاب بسبب معاصيهم المتقدّمة { فَيَقُولُواْ رَبَّنَا لَوْلاۤ } أي هلا { أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولاً } لما بعثنا الرسل. وقيل: لعاجلناهم بالعقوبة. وبعث الرسل إزاحة لعذر الكفار كما تقدّم في «سبحان» وآخر «طه». { فَنَتِّبِعَ آيَاتِكَ } نصب على جواب التحضيض. { وَنَكُونَ } عطف عليه. { مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ } من المصدّقين. وقد احتج بهذه الآية من قال: إن العقل يوجب الإيمان والشكر؛ لأنه قال: { بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ } وذلك موجب للعقاب إذ تقرّر الوجوب قبل بعثة الرسل، وإنما يكون ذلك بالعقل. قال القشيري: والصحيح أن المحذوف لولا كذا لما احتيج إلى تجديد الرسل. أي هؤلاء الكفار غير معذورين إذ بلغتهم الشرائع السابقة والدعاء إلى التوحيد، ولكن تطاول العهد، فلو عذبناهم فقد يقول قائل منهم طال العهد بالرسل، ويظن أن ذلك عذر ولا عذر لهم بعد أن بلغهم خبر الرسل، ولكن أكملنا إزاحة العذر، وأكملنا البيان فبعثناك يا محمد إليهم. وقد حكم الله بأنه لا يعاقب عبداً إلا بعد إكمال البيان والحجة وبعثة الرسل.

قوله تعالى: { فَلَمَّا جَآءَهُمُ ٱلْحَقُّ مِنْ عِندِنَا } يعني محمداً صلى الله عليه وسلم { قَالُواْ } يعني كفار مكة { لَوْلاۤ } أي هلا { أُوتِيَ مِثْلَ مَآ أُوتِيَ مُوسَىٰ } من العصا واليد البيضاء، وأنزل عليه القرآن جملة واحدة كالتوراة، وكان بلغهم ذلك من أمر موسى قبل محمد؛ فقال الله تعالى: { أَوَلَمْ يَكْفُرُواْ بِمَآ أُوتِيَ مُوسَىٰ مِن قَبْلُ قَالُواْ سَاحِرَانِ تَظَاهَرَا } أي موسى ومحمد تعاونا على السحر. قال الكلبي: بعثت قريش إلى اليهود وسألوهم عن بعث محمد وشأنه فقالوا: إنا نجده في التوراة بنعته وصفته. فلما رجع الجواب إليهم { قَالُوا سَاحِرَان تَظَاهَرَا }. وقال قوم: إن اليهود علَّموا المشركين، وقالوا قولوا لمحمد لولا أوتيت مثل ما أوتي موسى، فإنه أوتي التوراة دفعة واحدة. فهذا الاحتجاج وارد على اليهود، أي أو لم يكفر هؤلاء اليهود بما أوتي موسى حين قالوا في موسى وهارون هما ساحران و{ إِنَّا بِكُلٍّ كَافِرُونَ } أي وإنا كافرون بكل واحد منهما. وقرأ الكوفيون: { سِحْرَانِ } بغير ألف؛ أي الإنجيل والقرآن. وقيل: التوراة والفرقان؛ قاله الفرّاء. وقيل: التوراة والإنجيل. قاله أبو رزين. الباقون { سَاحِرَانِ } بألف. وفيه ثلاثة أقاويل. أحدها: موسى ومحمد عليهما السلام. وهذا قول مشركي العرب. وبه قال ابن عباس والحسن. الثاني: موسى وهارون. وهذا قول اليهود لهما في ابتداء الرسالة. وبه قال سعيد بن جبير ومجاهد وابن زيد. فيكون الكلام احتجاجاً عليهم. وهذا يدلّ على أن المحذوف في قوله: { لَوْلاَ أَنْ تُصِيبَهُمْ مُصِيبَةٌ } لما جدّدنا بعثة الرسل؛ لأن اليهود اعترفوا بالنبوّات ولكنهم حرّفوا وغيّروا واستحقوا العقاب، فقال: قد أكملنا إزاحة عذرهم ببعثة محمد صلى الله عليه وسلم. الثالث: عيسى ومحمد صلى الله عليهما وسلم. وهذا قول اليهود اليوم. وبه قال قتادة. وقيل: أولم يكفر جميع اليهود بما أوتي موسى في التوراة من ذكر المسيح، وذكر الإنجيل والقرآن، فرأوا موسى ومحمداً ساحرين والكتابين سحرين.