التفاسير

< >
عرض

تِلْكَ ٱلدَّارُ ٱلآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لاَ يُرِيدُونَ عُلُوّاً فِي ٱلأَرْضِ وَلاَ فَسَاداً وَٱلْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ
٨٣
مَن جَآءَ بِٱلْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِّنْهَا وَمَن جَآءَ بِٱلسَّيِّئَةِ فَلاَ يُجْزَى ٱلَّذِينَ عَمِلُواْ ٱلسَّيِّئَاتِ إِلاَّ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ
٨٤
-القصص

الجامع لاحكام القرآن

قوله تعالى: { تِلْكَ ٱلدَّارُ ٱلآخِرَةُ } يعني الجنة. وقال ذلك على جهة التعظيم لها والتفخيم لشأنها. يعني تلك التي سمعت بذكرها، وبلغك وصفها { نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لاَ يُرِيدُونَ عُلُوّاً فِي ٱلأَرْضِ } أي رفعة وتكبراً على الإيمان والمؤمنين { وَلاَ فَسَاداً } عملاً بالمعاصي. قاله ابن جريج ومقاتل. وقال عِكْرمة ومسلم البَطين: الفساد أخذ المال بغير حق. وقال الكلبي الدعاء إلى غير عبادة الله. وقال يحيـى بن سلام: هو قتل الأنبياء والمؤمنين. { وَٱلْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ } قال الضحاك: الجنة. وقال أبو معاوية: الذي لا يريد علوّاً هو من لم يجزع من ذلّها، ولم ينافس في عزّها، وأرفعهم عند الله أشدّهم تواضعاً، وأعزّهم غداً ألزمهم لذلّ اليوم. وروى سفيان بن عُيَيْنة عن إسماعيل بن أبي خالد قال: مرّ عليّ بن الحسين وهو راكب على مساكين يأكلون كِسَراً لهم، فسلّم عليهم فدعوه إلى طعامهم، فتلا هذه الآية { تِلْكَ ٱلدَّارُ ٱلآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لاَ يُرِيدُونَ عُلُوّاً فِي ٱلأَرْضِ وَلاَ فَسَاداً } ثم نزل وأكل معهم. ثم قال: قد أجبتكم فأجيبوني. فحملهم إلى منزله فأطعمهم وكساهم وصرفهم. خرّجه أبو القاسم الطبراني سليمان بن أحمد قال: حدّثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل، قال حدّثني أبي، قال حدّثنا سفيان بن عُيَيْنة. فذكره. وقيل: لفظ الدار الآخرة يشمل الثواب والعقاب. والمراد إنما ينتفع بتلك الدار من اتقى، ومن لم يتق فتلك الدار عليه لا له؛ لأنها تضره ولا تنفعه.

قوله تعالى: { مَن جَآءَ بِٱلْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِّنْهَا } تقدّم في «النمل». وقال عكرمة: ليس شيء خيراً من لا إلٰه إلا الله. وإنما المعنى من جاء بلا إلٰه إلا الله فله منها خير. { وَمَن جَآءَ بِٱلسَّيِّئَةِ } أي بالشرك { فَلاَ يُجْزَى ٱلَّذِينَ عَمِلُواْ ٱلسَّيِّئَاتِ إِلاَّ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } أي يعاقب بما يليق بعمله.