التفاسير

< >
عرض

وَقَالُواْ لَوْلاَ أُنزِلَ عَلَيْهِ آيَاتٌ مِّن رَّبِّهِ قُلْ إِنَّمَا ٱلآيَاتُ عِندَ ٱللَّهِ وَإِنَّمَآ أَنَاْ نَذِيرٌ مُّبِينٌ
٥٠
أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّآ أَنزَلْنَا عَلَيْكَ ٱلْكِتَابَ يُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذٰلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَىٰ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ
٥١
قُلْ كَفَىٰ بِٱللَّهِ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ شَهِيداً يَعْلَمُ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ بِٱلْبَاطِلِ وَكَفَرُواْ بِٱللَّهِ أُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْخَاسِرُونَ
٥٢
-العنكبوت

الجامع لاحكام القرآن

قوله تعالى: { وَقَالُواْ لَوْلاَ أُنزِلَ عَلَيْهِ آيَاتٌ مِّن رَّبِّهِ } هذا قول المشركين لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ومعناه هلا أنزل عليه آية كآيات الأنبياء. قيل: كما جاء صالح بالناقة، وموسى بالعصا، وعيسى بإحياء الموتى؛ أي { قُلْ } لهم يا محمد: { إِنَّمَا ٱلآيَاتُ عِندَ ٱللَّهِ } فهو يأتي بها كما يريد، إذا شاء أرسلها وليست عندي { وَإِنَّمَآ أَنَاْ نَذِيرٌ مُّبِينٌ }. وقرأ ابن كثير وأبو بكر وحمزة والكسائي: { آيَةٌ } بالتوحيد. وجمع الباقون. وهو اختيار أبي عبيد؛ لقوله تعالى: { قُلْ إِنَّمَا ٱلآيَاتُ عِندَ ٱللَّهِ }.

قوله تعالى: { أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّآ أَنزَلْنَا عَلَيْكَ ٱلْكِتَابَ يُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ } هذا جواب لقولهم { لَوْلاَ أُنزِلَ عَلَيْهِ آيَاتٌ مِّن رَّبِّهِ } أي أولم يكف المشركين من الآيات هذا الكتاب المعجز الذي قد تحدّيتهم بأن يأتوا بمثله، أو بسورة منه فعجزوا، ولو أتيتهم بآيات موسى وعيسى لقالوا: سحر ونحن لا نعرف السحر؛ والكلام مقدور لهم، ومع ذلك عجزوا عن المعارضة. وقيل: إن سبب نزول هذه الآيات ما رواه ابن عُيَيْنة عن عمرو بن دينار عن يحيـى بن جعدة قال: أتى النبي صلى الله عليه وسلم بكتف فيه كتاب فقال: "كفى بقوم ضلالة أن يرغبوا عما جاء به نبيهم إلى ما جاء به نبي غير نبيهم أو كتاب غير كتابهم" فأنزل الله تعالى: { أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّآ أَنزَلْنَا عَلَيْكَ ٱلْكِتَابَ } أخرجه أبو محمد الدارميّ في مسنده. وذكره أهل التفسير في كتبهم. وفي مثل هذا قال صلى الله عليه وسلم لعمر رضي الله عنه: "لو كان موسى بن عمران حيّاً لما وسعه إلا اتباعي" وفي مثله قال صلى الله عليه وسلم: "ليس منا من لم يَتغنَّ بالقرآن" أي يستغني به عن غيره. وهذا تأويل البخاريرحمه الله في الآية. وإذا كان لقاء ربه بكل حرف عشر حسنات فأكثر على ما ذكرناه في مقدمة الكتاب فالرغبة عنه إلى غيره ضلال وخسران وغبن ونقصان. { إِنَّ فِي ذٰلِكَ } أي في القرآن { لَرَحْمَةً } في الدنيا والآخرة. وقيل: رحمة في الدنيا باستنقاذهم من الضلالة. { وَذِكْرَىٰ } في الدنيا بإرشادهم به إلى الحق { لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ }.

قوله تعالى: { قُلْ كَفَىٰ بِٱللَّهِ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ شَهِيداً } أي قل للمكذبين لك كفى بالله شهيداً يشهد لي بالصدق فيما أدعِيه من أني رسوله، وأن هذا القرآن كتابه. { يَعْلَمُ مَا فِي ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ } أي لا يخفى عليه شيء. وهذا احتجاج عليهم في صحة شهادته عليهم؛ لأنهم قد أقروا بعلمه فلزمهم أن يقرّوا بشهادته. { وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ بِٱلْبَاطِلِ } قال يحيـى بن سلام: بإبليس. وقيل: بعبادة الأوثان والأصنام؛ قاله ابن شجرة. { وَكَفَرُواْ بِٱللَّهِ } أي لتكذيبهم برسله، وجحدهم لكتابه. وقيل: بما أشركوا به من الأوثان، وأضافوا إليه من الأولاد والأضداد. { أُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْخَاسِرُونَ } أنفسهم وأعمالهم في الآخرة.