التفاسير

< >
عرض

كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا فَأَخَذَهُمُ ٱللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ وَٱللَّهُ شَدِيدُ ٱلْعِقَابِ
١١
-آل عمران

الجامع لاحكام القرآن

الدأب العادة والشأن. ودأب الرجل في عمله يدأب دأباً ودؤوباً إذا جدّ وٱجتهد، وأدأبته أنا. وأدأب بعيره إذا جهدَه في السير. والدائبان الليل والنهار. قال أبو حاتم: وسمعت يعقوب يذكر «كدَأَبِ» بفتح الهمزة، وقال لي وأنا غُلَيِّمٌ: على أيّ شيء يجوز «كدَأَب»؟ فقلت له: أظنه من دَئِبَ يدْأَب دَأَباً. فقبِل ذلك مِني وتعجب من جودة تقديري على صِغري؛ ولا أدري أيقال أم لا. قال النحاس: «وهذا القول خطأ، لا يقال أَلبتّة دَئِب، وإنما يقال: دَأَب يدْأَب دُءُوباً ودَأْباً؛ هكذا حكى النحويون، منهم الفرّاء حكاه في (كتاب المصادر)؛ كما قال ٱمرؤ القيس:

كدأْبِك مِن أم الحُوَيْرِث قَبْلَهاوجارَتِهاأُمِّ الرَّبَابِ بمَأْسَلِ

فأمّا الدَّأَب فإنه يجوز؛ كما يقال: شَعْرٌ وشَعَرٌ ونَهْرٌ ونَهَرٌ؛ لأن فيه حرفاً من حروف الحلق». وٱختلفوا في الكاف؛ فقيل: هي في موضع رفع تقديره دَأْبُهم كدَأْب آل فرعون، أي صنيع الكفّار معك كصنيع آل فرعون مع موسى. وزعم الفرّاء أن المعنى: كفرت العرب ككفر آل فرعون. قال النحاس: لا يجوز أن تكون الكاف متعلقة بكفروا، لأن كفروا داخلة في الصِّلة. وقيل: هي متعلقة بـ { أَخَذَهُمُ الله }، أي أخذ آل فرعون. وقيل: هي متعلقة بقوله { لَن تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلاَ أَوْلاَدُهُم } أي لم تُغْنِ عنهم غَنَاء كما لم تُغن الأموال والأولاد عن آل فرعون. وهذا جواب لمن تخلّف عن الجهاد وقال: شغلتنا أموالنا وأهلونا. ويصح أن يعمل فيه فعلٌ مقدّر من لفظ الوقود، ويكون التشبيه في نفس الاحتراق. ويؤيد هذا المعنى { وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوۤءُ ٱلْعَذَابِ } { ٱلنَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوّاً وَعَشِيّاً وَيَوْمَ تَقُومُ ٱلسَّاعَةُ أَدْخِلُوۤاْ آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ ٱلْعَذَابِ } [غافر: 45، 46]. والقول الأوّل أرجح، وٱختاره غير واحد من العلماء. قال ٱبن عرفة: { كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ } أي كعادة آل فرعون. يقول: ٱعتاد هؤلاء الكفرة الإلحاد والإعنات للنبيّ صلى الله عليه وسلم كما ٱعتاد آل فرعون من إعنات الأنبياء؛ وقال معناه الأزهريّ. فأمّا قوله في سورة (الأنفال) { { كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ } [الأنفال: 52] فالمعنى جُوزِي هؤلاء بالقتل والأسر كما جُوزِي آل فرعون بالغرق والهلاك.

قوله تعالى: { بِآيَاتِنَا } يحتمل أن يريد الآيات المتلوّة، ويحتمل أن يريد الآيات المنصوبة للدّلالة على الوحدانية.{ فَأَخَذَهُمُ ٱللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ وَٱللَّهُ شَدِيدُ ٱلْعِقَابِ }.