التفاسير

< >
عرض

وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً
٤٢
هُوَ ٱلَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلاَئِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِّنَ ٱلظُّلُمَاتِ إِلَى ٱلنُّورِ وَكَانَ بِٱلْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً
٤٣
-الأحزاب

الجامع لاحكام القرآن

أي اشغلوا ألسنتكم في معظم أحوالكم بالتسبيح والتهليل والتحميد والتكبير. قال مجاهد: وهذه كلمات يقولهن الطاهر والمحدِث والجنب. وقيل: ادعوه. قال جرير:

فلا تنس تسبيح الضُّحى إن يوسفاًدَعَا ربّه فاختاره حين سبَّحا

وقيل: المراد صلوا لله بكرة وأصِيلاً؛ والصلاة تسمّى تسبيحاً. وخص الفجر والمغرب والعشاء بالذكر لأنها أحق بالتحريض عليها، لاتصالها بأطراف الليل. وقال قتادة والطبري: الإشارة إلى صلاة الغداة وصلاة العصر. والأصِيل: العشيّ وجمعه أصائل. والأصُل بمعنى الأصيل، وجمعه آصال؛ قاله المبرد. وقال غيره: أُصُل جمع أصيل؛ كرغيف ورغف. وقد تقدم.

مسألة: هذه الآية مدنيّة، فلا تعلّق بها لمن زعم أن الصلاة إنما فرضت أوّلاً صلاتين في طرفي النهار. والرواية بذلك ضعيفة فلا التفات إليها ولا معوّل عليها. وقد مضى الكلام في كيفية فرض الصلاة وما للعلماء في ذلك في «سبحان» والحمد لله.

قوله تعالى: { هُوَ ٱلَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ } قال ابن عباس: لما نزل { إِنَّ ٱللَّهَ وَمَلاَئِكَـتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى ٱلنَّبِيِّ } قال المهاجرون والأنصار: هذا لك يا رسول الله خاصّةً، وليس لنا فيه شيء؛ فأنزل الله تعالى هذه الآية.

قلت: وهذه نعمة من الله تعالى على هذه الأمة من أكبر النعم؛ ودليل على فضلها على سائر الأمم. وقد قال: { كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ } [آل عمران: 110]. والصلاة من الله على العبد هي رحمته له وبركته لديه. وصلاة الملائكة: دعاؤهم للمؤمنين واستغفارهم لهم؛ كما قال: { { وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُواْ } [غافر: 7] وسيأتي. وفي الحديث: أن بني إسرائيل سألوا موسى عليه السلام؛ أيُصلّي ربك جل وعز؟ فأعظم ذلك؛ فأوحى الله جل وعز: "إن صلاتي بأن رحمتي سبقت غضبي" ذكره النحاس. وقال ابن عطية: "وروت فرقة أن النبي صلى الله عليه وسلم قيل له: يا رسول الله، كيف صلاة الله على عباده. قال: سُبُّوح قُدّوس ـ رحمتي سبقت غضبي" . واختلف في تأويل هذا القول؛ فقيل: إنه كلمة من كلام الله تعالى وهي صلاته على عباده. وقيل: سُبُّوح قُدّوس من كلام محمد صلى الله عليه وسلم، وقدّمه بين يدي نطقه باللفظ الذي هو صلاة الله وهو "رحمتي سبقت غضبي" من حيث فهم من السائل أنه توهّم في صلاة الله على عباده وجهاً لا يليق بالله عز وجل؛ فقدّم التنزيه والتعظيم بين يدي إخباره.

قوله تعالى: { لِيُخْرِجَكُمْ مِّنَ ٱلظُّلُمَاتِ إِلَى ٱلنُّورِ } أي من الضلالة إلى الهدى. ومعنى هذا التثبيت على الهداية؛ لأنهم كانوا في وقت الخطاب على الهداية. ثم أخبر تعالى برحمته بالمؤمنين تأنيساً لهم فقال: { وَكَانَ بِٱلْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً }.