التفاسير

< >
عرض

وَلَوْ تَرَىٰ إِذْ فَزِعُواْ فَلاَ فَوْتَ وَأُخِذُواْ مِن مَّكَانٍ قَرِيبٍ
٥١
-سبأ

الجامع لاحكام القرآن

قوله تعالى: { وَلَوْ تَرَىٰ إِذْ فَزِعُواْ فَلاَ فَوْتَ } ذكر أحوال الكفار في وقت ما يضطرون فيه إلى معرفة الحق. والمعنى: لو ترى إذا فزعوا في الدنيا عند نزول الموت أو غيره من بأس الله تعالى بهم، روي معناه عن ابن عباس. الحسن: هو فزعهم في القبور من الصيحة. وعنه أن ذلك الفزع إنما هو إذا خرجوا من قبورهم؛ وقاله قتادة. وقال ابن مُغَفَّل: إذا عاينوا عقاب الله يوم القيامة. السّدّي: هو فزعهم يوم بدر حين ضربت أعناقهم بسيوف الملائكة فلم يستطيعوا فراراً ولا رجوعاً إلى التوبة. سعيد بن جُبير: هو الجيش الذي يخسف بهم في البيداء فيبقى منهم رجل فيخبر الناس بما لقي أصحابه فيفزعون، فهذا هو فزعهم. { فَلاَ فَوْتَ } فلا نجاة؛ قاله ابن عباس. مجاهد: فلا مهرب. { وَأُخِذُواْ مِن مَّكَانٍ قَرِيبٍ } أي من القبور. وقيل: من حيث كانوا، فهم من الله قريب لا يَعْزُبون عنه ولا يفوتونه. وقال ابن عباس: نزلت في ثمانين ألفاً يغزون في آخر الزمان الكعبة ليَخْرِبوها، وكما يدخلون البيداء يخسف بهم؛ فهو الأخذ من مكان قريب.

قلت: وفي هذا المعنى خبر مرفوع عن حذيفة وقد ذكرناه في كتاب التذكِرة، قال: "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ـ وذكر فتنة تكون بين أهل المشرق والمغرب ـ: فبيناهم كذلك إذ خرج عليهم السُّفياني من الوادي اليابس في فورة ذلك حتى ينزل دمشق فيبعث جيشين، جيشاً إلى المشرق؛ وجيشاً إلى المدينة، فيسير الجيش نحو المشرق حتى ينزلوا بأرض بابل في المدينة الملعونة والبقعة الخبيثة ـ يعني مدينة بغداد، قال ـ فيقتلون أكثر من ثلاثة آلاف ويفتضون أكثر من مائة امرأة ويقتلون بها ثلاثمائة كبش من ولد العباس، ثم يخرجون متوجهين إلى الشام فتخرج راية هدى من الكوفة فتلحق ذلك الجيش منها على ليلتين فيقتلونهم لا يفلِت منهم مخبر ويستنقذون ما في أيديهم من السبّي والغنائم ويَحُلّ جيشه الثاني بالمدينة فينتهبونها ثلاثة أيام ولياليها ثم يخرجون متوجهين إلى مكة حتى إذا كانوا بالبيداء بعث الله جبريل عليه السلام فيقول يا جبريل اذهب فأبِدْهم فيضربها برجله ضربة يخسف الله بهم، وذلك قوله تعالى: { وَلَوْ تَرَىٰ إِذْ فَزِعُواْ فَلاَ فَوْتَ وَأُخِذُواْ مِن مَّكَانٍ قَرِيبٍ } فلا يبقى منهم إلا رجلان أحدهما بشير والآخر نذير وهما من جُهينة" ، ولذلك جاء القول: وعند جهينة الخبر اليقين. وقيل: «أُخِذُوا مِنْ مَكَانٍ قَرِيبٍ» أي قبضت أرواحهم في أماكنها فلم يمكنهم الفرار من الموت، وهذا على قول من يقول: هذا الفزع عند النزع. ويحتمل أن يكون هذا من الفزع الذي هو بمعنى الإجابة؛ يقال: فزِع الرجل أي أجاب الصارخ الذي يستغيث به إذا نزل به خوف. ومنه الخبر إذا قال للأنصار: «إنكم لتَقِلّون عند الطمع وتكثرون عند الفزع». ومن قال: أراد الخسف أو القتل في الدنيا كيوم بدر قال: أخذوا في الدنيا قبل أن يؤخذوا في الآخرة. ومن قال: هو فزع يوم القيامة قال: أخذوا من بطن الأرض إلى ظهرها. وقيل: «أُخِذُوا مِنْ مَكَان قَرِيبٍ» من جهنم فألقوا فيها.