التفاسير

< >
عرض

أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّا خَلَقْنَا لَهُم مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَآ أَنْعاماً فَهُمْ لَهَا مَالِكُونَ
٧١
وَذَلَّلْنَاهَا لَهُمْ فَمِنْهَا رَكُوبُهُمْ وَمِنْهَا يَأْكُلُونَ
٧٢
وَلَهُمْ فِيهَا مَنَافِعُ وَمَشَارِبُ أَفَلاَ يَشْكُرُونَ
٧٣
-يس

الجامع لاحكام القرآن

قوله تعالى: { أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّا خَلَقْنَا لَهُم } هذه رؤية القلب؛ أي أو لم ينظروا ويعتبروا ويتفكروا. { مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَآ } أي مما أبدعناه وعملناه من غير واسطة ولا وكالة ولا شركة. و «ما» بمعنى الذي وحذفت الهاء لطول الاسم. وإن جعلت «ما» مصدرية لم تحتج إلى إضمار الهاء. { أَنْعاماً } جمع نعم والنعم مذكر. { فَهُمْ لَهَا مَالِكُونَ } ضابطون قاهرون. { وَذَلَّلْنَاهَا لَهُمْ } أي سخرناها لهم حتى يقود الصبي الجمل العظيم ويضربه ويصرّفه كيف شاء لا يخرج من طاعته. { فَمِنْهَا رَكُوبُهُمْ } قراءة العامة بفتح الراء؛ أي مركوبهم، كما يقال: ناقة حَلوب أي محلوب. وقرأ الأعمش والحسن وٱبن السَّمَيْقَع: «فَمِنْهَا رُكُوبُهُمْ» بضم الراء على المصدر. وروي عن عائشة أنها قرأت: «فَمِنْهَا رَكُوبَتُهُمْ» وكذا في مصحفها. والرَّكوب والرَّكوبة واحد، مثل الحَلوب والحَلوبة، والحمَول والحمَولة. وحكى النحويون الكوفيون: أن العرب تقول: ٱمرأة صَبور وشَكور بغير هاء. ويقولون: شاة حَلوبة وناقة رَكوبة؛ لأنهم أرادوا أن يفرقوا بين ما كان له الفعل وبين ما كان الفعل واقعاً عليه، فحذفوا الهاء مما كان فاعلاً وأثبتوها فيما كان مفعولاً؛ كما قال:

فيها ٱثنتانِ وأربعون حَلُوبَةًسُودًا كخافيةِ الغرابِ الأَسْحَمِ

فيجب أن يكون على هذا رَكوبتهم. فأما البصريون فيقولون: حذفت الهاء على النسب. والحجة للقول الأول ما رواه الجرمي عن أبي عبيدة قال: الركوبة تكون للواحد والجماعة، والرَّكُوب لا يكون إلا للجماعة. فعلى هذا يكون لتذكير الجمع. وزعم أبو حاتم: أنه لا يجوز «فَمِنْهَا رُكُوبُهُمْ» بضم الراء لأنه مصدر؛ والرَّكُوب ما يركب. وأجاز الفرّاء «فَمِنْهَا رُكُوبُهُمْ» بضم الراء، كما تقول فمنها أكلهم ومنها شربهم. { وَمِنْهَا يَأْكُلُونَ } من لحومها { وَلَهُمْ فِيهَا مَنَافِعُ } من أصوافها وأوبارها وأشعارها وشحومها ولحومها وغير ذلك. { وَمَشَارِبُ } يعني ألبانها؛ ولم ينصرفا لأنهما من الجموع التي لا نظير لها في الواحد. { أَفَلاَ يَشْكُرُونَ } الله على نعمه.