التفاسير

< >
عرض

وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ ٱلْمُرْسَلِينَ
١٣٩
إِذْ أَبَقَ إِلَى ٱلْفُلْكِ ٱلْمَشْحُونِ
١٤٠
فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنَ ٱلْمُدْحَضِينَ
١٤١
فَٱلْتَقَمَهُ ٱلْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ
١٤٢
فَلَوْلاَ أَنَّهُ كَانَ مِنَ ٱلْمُسَبِّحِينَ
١٤٣
لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ
١٤٤
-الصافات

الجامع لاحكام القرآن

فيه ثمان مسائل:

الأولى ـ قوله تعالى: { وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ ٱلْمُرْسَلِينَ } يونس هو ذو النون، وهو ٱبن متّى، وهو ابن العجوز التي نزل عليها إلياس، فاستخفى عندها من قومه ستة أشهر ويونس صبيّ يرضع، وكانت أم يونس تخدمه بنفسها وتؤانسه، ولا تدّخر عنه كرامة تقدر عليها. ثم إن إلياس سئم ضيق البيوت فلحق بالجبال، ومات ابن المرأة يونس، فخرجت في إثر إلياس تطوف وراءه في الجبال حتى وجدته، فسألته أن يدعو اللّه لها لعلّه يُحي لها ولدها؛ فجاء إلياس إلى الصبي بعد أربعة عشر يوماً من موته، فتوضأ وصلّى ودعا اللّه فأحيا اللّه يونس ابن متى بدعوة إلياس عليه السلام. وأرسل اللّه يونس إلى أهل نِينَوَى من أرض الموصل وكانوا يعبدون الأصنام ثم تابوا، حسبما تقدّم بيانه في سورة «يونس» ومضى في «الأنبياء» قصة يونس في خروجه مغاضباً. واختلف في رسالته هل كانت قبل التقام الحوت إياه أو بعده. قال الطبري عن شهر بن حَوْشَب: إن جبريل عليه السلام أتى يونس فقال: ٱنطلق إلى أهل نِينَوى فأنذرهم أن العذاب قد حضرهم. قال: ألتمس دابة. قال: الأمر أعجل من ذلك. قال: ألتمس حذاء. قال: الأمر أعجل من ذلك. قال: فغضب فانطلق إلى السفينة فركب، فلما ركب السفينة احتبست السفينة لا تتقدّم ولا تتأخر. قال: فتساهموا، قال: فُسهِم، فجاء الحوت يبصبص بذنبه؛ فنودي الحوت: أيا حوت! إنا لم نجعل لك يونس رزقاً؛ إنما جعلناك له حرزاً ومسجداً. قال: فالتقمه الحوت من ذلك المكان حتى مَرَّ به إلى الأُبلّة، ثم ٱنطلق به حتى مرّ به على دجلة، ثم ٱنطلق حتى ألقاه في نِينوى. حدّثنا الحرث قال حدثنا الحسن قال حدثنا أبو هلال قال حدثنا شهر بن حَوْشَب عن ابن عباس قال: إنما كانت رسالة يونس بعد ما نبذه الحوت؛ واستدل هؤلاء بأن الرسول لا يخرج مغاضباً لربه، فكان ما جرى منه قبل النبوّة. وقال آخرون: كان ذلك منه بعد دعائه من أرسل (إليهم) إلى ما أمره اللّه بدعائهم إليه، وتبليغه إياهم رسالة ربه، ولكنه وعدهم نزول ما كان حذرهم من بأس اللّه في وقت وقَّته لهم ففارقهم إذ لم يتوبوا ولم يراجعوا طاعة اللّه، فلما أظل القومَ العذابُ وغشيهم ـ كما قال اللّه تعالى في تنزيله ـ تابوا إلى اللّه، فرفع اللّه العذاب عنهم، وبلغ يونس سلامتهم وارتفاع العذاب الذي كان وعدهموه فغضب من ذلك وقال: وعدتهم وعدا فكذب وعدى. فذهب مغاضباً ربه وكره الرجوع إليهم، وقد جرّبوا عليه الكذب؛ رواه سعيد بن جُبير عن ابن عباس. وقد مضى هذا في «الأنبياء» وهو الصحيح على ما يأتي عند قوله تعالى { وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَىٰ مِئَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ } [الصافات: 147]. ولم ينصرف يونس؛ لأنه ٱسم أعجمي ولو كان عربياً لانصرف وإن كانت في أوّله الياء؛ لأنه ليس في الأفعال يُفْعُل كما أنك إذا سمَّيت بيُعْفُر صرفته؛ وإن سمّيت بِيَعْفُر لم تصرفه.

الثانية ـ قوله تعالى: { إِذْ أَبَقَ } قال المبرد: أصل أبق تباعد؛ ومنه غلام آبق. وقال غيره: إنما قيل ليونس أبق؛ لأنه خرج بغير أمر اللّه عز وجل مستتراً من الناس. { إِلَى ٱلْفُلْكِ ٱلْمَشْحُونِ } أي المملوءة. «والفلك» يذكر ويؤنث ويكون واحداً وجمعا وقد تقدم. قال الترمذي الحكيم: سماه آبقاً لأنه أبق عن العبودية، وإنما العبودية ترك الهوى وبذل النفس عند أمور اللّه؛ فلما لم يبذل النفس عندما اشتدّت عليه العَزمة من المَلَك حسبما تقدّم بيانه في «الأنبياء» وآثر هواه لزمه اسم الآبق، وكانت عزمة الملك في أمر اللّه لا في نفسه، وبحظّ حقّ اللّه لا بحظ نفسه؛ فتحرى يونس فلم يصب الصواب الذي عند اللّه فسماه آبقا ومُلِيما.

الثالثة: قوله تعالى: { فَسَاهَمَ } قال المبرد: فقارع، قال: وأصله من السهام التي تُجَال. { فَكَانَ مِنَ ٱلْمُدْحَضِينَ } قال: من المغلوبين. قال الفراء: دَحَضَتْ حجتُه وأدحضها اللّه. وأصله من الزلق؛ قال الشاعر:

قَتلْنا الْمُدْحضِينَ بكُلِّ فَجٍّ فقد قرّتْ بقتلِهِمُ العيونُ

أي المغلوبين.

الرابعة ـ قوله تعالى: { فَٱلْتَقَمَهُ ٱلْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ } أي أتى بما يلام عليه. فأما الملوم فهو الذي يلام، ٱستحق ذلك أو لم يستحق. وقيل: المليم المعيب. يقال: لام الرجل إذا عمل شيئاً فصار معيباً بذلك العمل. { فَلَوْلاَ أَنَّهُ كَانَ مِنَ ٱلْمُسَبِّحِينَ } قال الكسائي: لم تكسر «أن» لدخول اللام؛ لأن اللام ليست لها. النحاس: والأمر كما قال؛ إنما اللام في جواب لولا. «فَلَوْلاَ أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ» أي من المصلّين { لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ } أي عقوبة له؛ أي يكون بطن الحوت قبرا له إلى يوم القيامة. وٱختلف كم أقام في بطن الحوت. فقال السديّ والكلبيّ ومقاتل بن سليمان: أربعين يوماً. الضحاك: عشرين يوماً. عطاء: سبعة أيام. مقاتل بن حيان: ثلاثة أيام. وقيل: ساعة واحدة. واللّه أعلم.

الخامسة ـ روى الطبري من حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لما أراد اللّه ـ تعالى ذكره ـ حبس يونس في بطن الحوت أوحى اللّه إلى الحوت أن خذه ولا تخدش لحماً ولا تكسر عظماً فأخذه ثم هوى به إلى مسكنه من البحر؛ فلما ٱنتهى به إلى أسفل البحر سمع يونس حسًّا فقال في نفسه ما هذا؟ فأوحى اللّه تبارك وتعالى إليه وهو في بطن الحوت: إن هذا تسبيح دوابّ البحر قال: فسبح وهو في بطن الحوت قال: فسمعت الملائكة تسبيحه فقالوا: يا ربنا إنا نسمع صوتاً ضعيفاً بأرض غريبة قال: ذلك عبدي يونس عصاني فحبسته في بطن الحوت في البحر. قالوا: العبد الصالح الذي كان يصعد إليك منه في كل يوم وليلة عمل صالح؟ قال نعم. فشفعوا له عند ذلك فأمر الحوت بقذفه في الساحل كما قال تعالى: { وَهُوَ سَقِيمٌ }" . وكان سقمه الذي وصفه به اللّه تعالى ذكره: أنه ألقاه الحوت على الساحل كالصبيّ المنفوس قد نشر اللحم والعظم. وقد روي: أن الحوت سار مع السفينة رافعاً رأسه يتنفس فيه يونس ويسبح، ولم يفارقهم حتى ٱنتهوا إلى البر، فلفظه سالماً لم يتغير منه شيء فأسلموا؛ ذكره الزمخشريّ في تفسيره. وقال ابن العربي: أخبرني غير واحد من أصحابنا عن إمام الحرمين أبي المعالي عبد الملك بن عبد اللّه بن يوسف الجويني: أنه سئل عن الباري في جهة؟ فقال: لا، هو يتعالى عن ذلك. قيل له: ما الدليل عليه؟ قال: الدليل عليه قول النبي صلى الله عليه وسلم: "لا تفضلوني على يونس بن متّى" فقيل له: ما وجه الدليل في هذا الخبر؟ فقال: لا أقوله حتى يأخذ ضيفي هذا ألف دينار يقضي بها دَيْنَاً. فقام رجلان فقالا: هي علينا. فقال: لا يتبع بها ٱثنين؛ لأنه يشق عليه. فقال واحد: هي عليّ. فقال: إن يونس بن متّى رمى بنفسه في البحر فٱلتقمه الحوت، فصار في قعر البحر في ظلمات ثلاث، ونادى { لاَّ إِلَـٰهَ إِلاَّ أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ ٱلظَّالِمِينَ } [الأنبياء: 87] كما أخبر اللّه عنه، ولم يكن محمد صلى الله عليه وسلم حين جلس على الرفرف الأخضر وٱرتقى به صعداً، حتى ٱنتهى به إلى موضع يسمع فيه صَرِيف الأقلام، وناجاه ربه بما ناجاه به، وأوحى إليه ما أوحى ـ بأقرب إلى اللّه تعالى من يونس في بطن الحوت في ظلمة البحر.

السادسة ـ ذكر الطبري: أن يونس عليه السلام لما ركب في السفينة أصاب أهلها عاصف من الريح، فقالوا: هذه بخطيئة أحدكم. فقال يونس وعرف أنه هو صاحب الذنب: هذه خطيئتي فألقوني في البحر، وأنهم أبوا عليه حتى أفاضوا بسهامهم. «فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ» فقال لهم: قد أخبرتكم أن هذا الأمر بذنبي. وأنهم أبوْا عليه حتى أفاضوا بسهامهم الثانية فكان من المدحضين، وأنهم أبوا أن يلقوه في البحر حتى أعادوا سهامهم الثالثة فكان من المدحضين. فلما رأى ذلك ألقى نفسه في البحر، وذلك تحت الليل فابتلعه الحوت، وروي أنه لما ركب في السفينة تَقنَّع ورقد فساروا غير بعيد إذ جاءتهم ريح كادت السفينة أن تغرق، فٱجتمع أهل السفينة فدعَوْا فقالوا: أيقظوا الرجل النائم يدعو معنا؛ فدعا اللّه معهم فرفع اللّه عنهم تلك الريح. ثم ٱنطلق يونس إلى مكانه فرقد، فجاءت ريح كادت السفينة أن تغرق، فأيقظوه ودعوا اللّه فٱرتفعت الريح. قال: فبينما هم كذلك إذا رفع حوت عظيم رأسه إليهم أراد أن يبتلع السفينة، فقال لهم يونس: يا قوم! هذا من أجلي! فلو طرحتموني في البحر لسرتم ولذهب الريح عنكم والرَّوْع. قالوا: لا نطرحك حتى نتساهم، فمن وقعت عليه رميناه في البحر. قال: فتساهموا فوقع على يونس؛ فقال لهم: يا قوم ٱطرحوني! فمن أجلي أوتيتم؛ فقالوا: لا نفعل حتى نتساهم مرة أخرى. ففعلوا فوقع على يونس. فقال لهم: يا قوم ٱطرحوني! فمن أجلي أوتيتم؛ فذلك قول اللّه عز وجل: { فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنَ ٱلْمُدْحَضِينَ } أي وقع السهم عليه؛ فٱنطلقوا به إلى صدر السفينة ليلقوه في البحر، فإذا الحوت فاتح فاه، ثم جاءوا به إلى جانب السفينة، فإذا بالحوت، ثم رجعوا به إلى الجانب الآخر، فإذا بالحوت فاتح فاه؛ فلما رأى ذلك ألقى بنفسه فٱلتقمه الحوت؛ فأوحى اللّه تعالى إلى الحوت: إني لم أجعله لك رزقاً ولكن جعلت بطنك له وعاء. فمكث في بطن الحوت أربعين ليلة فنادى في الظلمات { لاَّ إِلَـٰهَ إِلاَّ أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ ٱلظَّالِمِينَ فَٱسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ ٱلْغَمِّ وَكَذٰلِكَ نُنجِـي ٱلْمُؤْمِنِينَ } [المؤمنون: 88] وقد تقدم ويأتي. ففي هذا من الفقه أن القُرْعة كانت معمولاً بها في شرع مَن قبلنا، وجاءت في شرعنا على ما تقدم في «آل عمران» قال ٱبن العربي: وقد وردت القرعة في الشرع في ثلاثة مواطن: الأول ـ كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أراد سفراً أقرع بين نسائه، فأيتهن خرج سهمها خرج بها معه. الثاني: أن النبي صلى الله عليه وسلم رفع إليه أن رجلاً أعتق ستة أعبد لا مال له غيرهم، فأقرع بينهم؛ فاعتق اثنين وأرقّ أربعة. الثالث: "أن رجلين ٱختصما إليه في مواريث قد درست فقال: ٱذهبا وتوخَّا الحق وٱستهِما وليحلل كل واحد منكما صاحبه" . فهذه ثلاثة مواطن، وهي القَسْم في النكاح، والعِتق، والقسمة، وجريان القرعة فيها لرفع الإشكال وحسم داء التشهي. واختلف علماؤنا في القرعة بين الزوجات في الغزو على قولين؛ الصحيح منهما الإقراع،؛ وبه قال فقهاء الأمصار. وذلك أن السفر بجميعهن لا يمكن، وٱختيار واحدة منهن إيثار فلم يبق إلا القرعة. وكذلك في مسألة الأعبد الستة؛ فإن كل اثنين منهما ثلث، وهو القدر الذي يجوز له فيه العتق في مرض الموت، وتعيينهما بالتشهي لا يجوز شرعاً؛ فلم يبق إلا القرعة. وكذلك التشاجر إذا وقع في أعيان المواريث لم يميز الحق إلا القُرْعة، فصارت أصلاً في تعيين المستحق إذا أشكل. قال: والحق عندي أن تجري في كل مشكل، فذلك أبين لها، وأقوى لفصل الحكم فيها، وأجلى لرفع الإشكال عنها؛ ولذلك قلنا: إن القرعة بين الزوجات في الطلاق كالقرعة بين الإماء في العتق.

السابعة ـ الاقتراع على إلقاء الآدمي في البحر لا يجوز. وإنما كان ذلك في يونس وزمانه مقدّمة لتحقيق برهانه، وزيادة في إيمانه، فإنه لا يجوز لمن كان عاصياً أن يُقتل ولا يرمى به في النار أو البحر، وإنما تجرى عليه الحدود والتعزير على مقدار جنايته. وقد ظنّ بعض الناس أن البحر إذا هال على القوم فٱضطروا إلى تخفيف السفينة أن القرعة تضرب عليهم، فيطرح بعضهم تخفيفاً؛ وهذا فاسد؛ فإنها لا تخفّ برمي بعض الرجال وإنما ذلك في الأموال، ولكنهم يصبرون على قضاء اللّه عز وجل.

الثامنة ـ أخبر اللّه عز وجل أن يونس كان من المسبِّحين، وأن تسبيحه كان سبب نجاته؛ ولذلك قيل: إن العمل الصالح يرفع صاحبه إذا عَثَر. قال ٱبن عباس: «مِنَ الْمُسَبِّحِينَ» من المصلّين. قال قتادة: كان يصلّي قبل ذلك لحفظ اللّه عز وجل له فنجّاه. وقال الربيع بن أنس: لولا أنه كان له قبل ذلك عمل صالح { لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ } قال: ومكتوب في الحكمة ـ إن العمل الصالح يرفع به إذا عثر. وقال مقاتل: «مِنَ الْمُسَبِّحِينَ» من المصلّين المطيعين قبل المعصية. وقال وهب: من العابدين. وقال الحسن: ما كان له صلاة في بطن الحوت؛ ولكنه قدّم عملاً صالحاً في حال الرخاء فذكره اللّه به في حال البلاء، وإن العمل الصالح ليرفع صاحبه، وإذا عَثَر وجد مُتّكَأً.

قلت: ومن هذا المعنى قوله صلى الله عليه وسلم: "من ٱستطاع منكم أن تكون له خبيئة من عمل صالح فليفعل" فيجتهد العبد، ويحرص على خَصْلة من صالح عمله، يخلص فيها بينه وبين ربه، ويدّخرها ليوم فاقته وفقره، ويخبؤها بجهده، ويسترها عن خلقه، يصل إليه نفعها أحوج لما كان إليه. وقد خرّج البخاري ومسلم من حديث ٱبن عمر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "بينما ثلاثة نفر ـ في رواية ممن كان قبلكم ـ يتماشَوْن أخذهم المطر فأوَوْا إلى غار في جبل فٱنحطت على فم الغار صخرة من الجبل فٱنطبقت عليهم فقال بعضهم لبعض ٱنظروا أعمالاً عملتموها صالحة للّه فٱدعوا اللّه بها لعله يَفْرُجها عنكم" الحديث بكماله وهو مشهور، شهرته أغنت عن تمامه. وقال سعيد بن جبير: لما قال في بطن الحوت: { لاَّ إِلَـٰهَ إِلاَّ أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ ٱلظَّالِمِينَ } قذفه الحوت. وقيل: { مِنَ ٱلْمُسَبِّحِينَ } من المصلّين في بطن الحوت.

قلت: والأظهر أنه تسبيح اللسان الموافق للجنان، وعليه يدلّ حديث أبي هريرة المذكور قبل الذي ذكره الطبري. قال: فسبح في بطن الحوت. قال: فسمعت الملائكة تسبيحه؛ فقالوا: يا ربنا إنا نسمع صوتاً ضعيفاً بأرض غريبة. وتكون «كان» على هذا القول زائدة؛ أي فلولا أنه من المسبحين. وفي كتاب أبي داود عن سعد بن أبي وقاص عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "دعاء ذي النون في بطن الحوت لا إِلٰهَ إِلاَّ أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمينَ لم يدع به رجل مسلم في شيء قط إلا ٱستجيب له" وقد مضى هذا في سورة «الأنبياء» فيونس عليه السلام كان قبل مصلّياً مسبِّحاً، وفي بطن الحوت كذلك. وفي الخبر: فنودي الحوت: إنا لم نجعل يونس لك رزقاً؛ إنما جعلناك له حِرْزاً ومسجداً. وقد تقدم.