قوله تعالى: { وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا ٱلْمُرْسَلِينَ } قال الفراء: أي بالسعادة. وقيل: أراد بالكلمة قوله عز وجل:
{ كَتَبَ ٱللَّهُ لأَغْلِبَنَّ أَنَاْ وَرُسُلِيۤ } [المجادلة: 21] قال الحسن: لم يُقتَل من أصحاب الشرائع قط أحد. { إِنَّهُمْ لَهُمُ ٱلْمَنصُورُونَ } أي سبق الوعد بنصرهم بالحجة والغلبة. { وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ ٱلْغَالِبُونَ } على المعنى ولو كان على اللفظ لكان هو الغالب مثل { جُندٌ مَّا هُنَالِكَ مَهْزُومٌ مِّن ٱلأَحَزَابِ } [صۤ: 11]. وقال الشيباني: جاء هاهنا على الجمع من أجل أنه رأس آية. قوله تعالى: { فَتَوَلَّ عَنْهُمْ } أي أعرض عنهم. { حَتَّىٰ حِينٍ } قال قتادة: إلى الموت. وقال الزجاج: إلى الوقت الذي أمهلوا إليه. وقال ابن عباس: يعني القتل ببدر. وقيل: يعني فتح مكة. وقيل: الآية منسوخة بآية السيف. { وَأَبْصِرْهُمْ فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ } قال قتادة: سوف يبصرون حين لا ينفعهم الإِبصار. وعسى من اللّه للوجوب وعبّر بالإبصار عن تقريب الأمر؛ أي عن قريب يبصرون. وقيل: المعنى فسوف يبصرون العذاب يوم القيامة. { أَفَبِعَذَابِنَا يَسْتَعْجِلُونَ } كانوا يقولون من فرط تكذيبهم متى هذا العذاب؛ أي لا تستعجلوه فإنه واقع بكم.
قوله تعالى: { فَإِذَا نَزَلَ بِسَاحَتِهِمْ } أي العذاب. قال الزجاج: وكان عذاب هؤلاء بالقتل. ومعنى «بِسَاحَتِهِمْ» أي بدارهم؛ عن السّدي وغيره. والساحة والسَّحْسَة في اللغة فِناء الدار الواسع. الفرّاء: «نَزَل بِسَاحَتِهِمْ» ونزل بهم سواء. { فَسَآءَ صَبَاحُ ٱلْمُنْذَرِينَ } أي بئس صباح الذين أنذروا بالعذاب. وفيه إضمار أي فساء الصباح صباحهم. وخصّ الصباح بالذكر؛ لأن العذاب كان يأتيهم فيه. ومنه الحديث الذي رواه أنس رضي اللّه عنه قال:
"لما أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم خَيْبر، وكانوا خارجين إلى مزارعهم ومعهم المَساحى، فقالوا: محمد والخمِيس، ورجعوا إلى حصنهم؛ فقال صلى الله عليه وسلم: اللّه أكبر خَرِبت خيبر إنا إذا نزلنا بساحة قوم فساء صباح المنذرين" وهو يبين معنى «فَإِذا نَزَلَ بِسَاحَتِهِمْ» يريد النبي صلى الله عليه وسلم. { وَتَوَلَّ عَنْهُمْ حَتَّىٰ حِينٍ } كرر تأكيداً وكذا { وَأَبْصِرْ فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ } تأكيد أيضاً.