التفاسير

< >
عرض

وَعَجِبُوۤاْ أَن جَآءَهُم مٌّنذِرٌ مِّنْهُمْ وَقَالَ ٱلْكَافِرُونَ هَـٰذَا سَاحِرٌ كَذَّابٌ
٤
أَجَعَلَ ٱلآلِهَةَ إِلَـٰهاً وَاحِداً إِنَّ هَـٰذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ
٥

الجامع لاحكام القرآن

قوله تعالى: { وَعَجِبُوۤاْ أَن جَآءَهُم مٌّنذِرٌ مِّنْهُمْ } «أن» في موضع نصب والمعنى من أن جاءهم. قيل: هو متصل بقوله: { فِي عِزَّةٍ وَشِقَاقٍ } أي في عزة وشقاق وعجبوا، وقوله: { كَمْ أَهْلَكْنَا } معترض. وقيل: لا بل هذا ابتداء كلام؛ أي ومن جهلهم أنهم أظهروا التعجب من أن جاءهم منذر منهم. { وَقَالَ ٱلْكَافِرُونَ هَـٰذَا سَاحِرٌ } أي يجيء بالكلام المموَّه الذي يخدع به الناس؛ وقيل: يفرق بسحره بين الوالد وولده والرجل وزوجته { كَذَّابٌ } أي في دعوى النبوّة.

قوله تعالى: { أَجَعَلَ ٱلآلِهَةَ إِلَـٰهاً وَاحِداً } مفعولان أي صيّر الآلهة إلٰهاً واحداً. { إِنَّ هَـٰذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ } أي عجيب. وقرأ السلمي: «عُجَّابٌ» بالتشديد. والعُجَاب والعُجّاب والعَجَب سواء. وقد فرّق الخليل بين عَجِيب وعُجَاب فقال: العَجِيب العَجَب، والعُجَاب الذي قد تجاوز حدّ العَجَب، والطويل الذي فيه طول، والطُّوال، الذي قد تجاوز حدّ الطُّول. وقال الجوهري: العَجِيب الأمر الذي يتعجّب منه، وكذلك العُجَاب بالضم، والعُجّاب بالتشديد أكثر منه، وكذلك الأعجوبة. وقال مقاتل: «عُجَّابٌ» لغة أزد شنوءة. وروى سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: "مرض أبو طالب فجاءت قريش إليه، وجاء النبي صلى الله عليه وسلم، وعند رأس أبي طالب مجلس رجل، فقام أبو جهل كي يمنعه، قال: وشكوه إلى أبي طالب، فقال: يا بن أخي ما تريد من قومك؟ فقال:يا عم إنما أريد منهم كلمة تذلّ لهم بها العرب وتؤدّي إليهم بها الجزيةَ العجم فقال: وما هي؟ قال: لا إلٰه إلا اللّه قال: فقالوا أَجَعَل الآلِهَةَ إِلٰهاً وَاحِداً قال: فنزل فيهم القرآن { صۤ وَٱلْقُرْآنِ ذِي ٱلذِّكْرِ بَلِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فِي عِزَّةٍ وَشِقَاقٍ } حتى بلغ { إِنْ هَـٰذَا إِلاَّ ٱخْتِلاَقٌ }" خرّجه الترمذي أيضاً بمعناه. وقال: هذا حديث حسن صحيح. وقيل: "لما أسلم عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه شق على قريش إسلامه فٱجتمعوا إلى أبي طالب وقالوا: ٱقض بيننا وبين ٱبن أخيك. فأرسل أبو طالب إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا بن أخي هؤلاء قومك يسألونك السواء، فلا تمل كل الميل على قومك. قال: وماذا يسألونني قالوا: ٱرفضنا وٱرفض ذكر آلهتنا وندعك وإلٰهك. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أتعطونني كلمة واحدة وتملكون بها العرب وتدين لكم بها العجمفقال أبو جهل: للّه أبوكٰ لنعطينكها وعشر أمثالها. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: قولوا لا إلٰه إلا اللّه فنفروا من ذلك وقاموا" ؛ فقالوا: «أَجَعَلَ الآلِهَةَ إِلٰهاً واحِداً» فكيف يسع الخلق كلهم إلٰه واحد. فأنزل اللّه فيهم هذه الآيات إلى قوله: { كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ }.