التفاسير

< >
عرض

وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ مَّنْ خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ لَيَقُولُنَّ ٱللَّهُ قُلْ أَفَرَأَيْتُم مَّا تَدْعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ إِنْ أَرَادَنِيَ ٱللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ قُلْ حَسْبِيَ ٱللَّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّـلُ ٱلْمُتَوَكِّلُونَ
٣٨
قُلْ يٰقَوْمِ ٱعْمَلُواْ عَلَىٰ مَكَانَتِكُـمْ إِنِّي عَامِلٌ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ
٣٩
مَن يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذَابٌ مُّقِيمٌ
٤٠
إِنَّآ أَنزَلْنَا عَلَيْكَ ٱلْكِتَابَ لِلنَّـاسِ بِٱلْحَقِّ فَـمَنِ ٱهْتَـدَىٰ فَلِنَفْسِهِ وَمَن ضَـلَّ فَإنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَمَآ أَنتَ عَلَيْهِم بِوَكِـيلٍ
٤١
-الزمر

الجامع لاحكام القرآن

قوله تعالى: { وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ } أي ولئن سألتهم يا محمد { مَّنْ خَلَقَ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضَ لَيَقُولُنَّ ٱللَّهُ } بين أنهم مع عبادتهم الأوثان مُقِرُّون بأن الخالق هو الله، وإذا كان الله هو الخالق فكيف يخوفونك بآلتهم التي هي مخلوقة لله تعالى، وأنت رسول الله الذي خلقها وخلق السموات والأرض. { قُلْ أَفَرَأَيْتُم } أي قل لهم يا محمد بعد اعترافهم بهذا { أَفَرَأَيْتُمْ } { إِنْ أَرَادَنِيَ ٱللَّهُ بِضُرٍّ } بشدة وبلاء { هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ } يعني هذه الأصنام { أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ } نعمة ورخاء { هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ } قال مقاتل: فسألهم النبيّ صلى الله عليه وسلم فسكتوا. وقال غيره: قالوا لا تدفع شيئاً قدّره الله ولكنها تشفع. فنزلت: { قُلْ حَسْبِيَ ٱللَّهُ } وترك الجواب لدلالة الكلام عليه؛ يعني فسيقولون لا (أي لا تكشف ولا تمسك) فـ«ـقُلْ» أنت «حَسْبِيَ اللَّهُ» أي عليه توكلت أي اعتمدت و{ عَلَيْهِ يَتَوَكَّـلُ ٱلْمُتَوَكِّلُونَ } يعتمد المعتمدون. وقد تقدّم الكلام في التوكل. وقرأ نافع وابن كثير والكوفيون ما عدا عاصماً «كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ» بغير تنوين. وقرأ أبو عمرو وشيبة وهي المعروفة من قراءة الحسن وعاصم «هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتٌ ضُرَّهُ». «مُمْسِكَاتٌ رَحْمَتَهُ» بالتنوين على الأصل وهو اختيار أبي عبيد وأبي حاتم؛ لأنه اسم فاعل في معنى الاستقبال، وإذا كان كذلك كان التنوين أجود. قال الشاعر:

الضاربون عُمَيْراً عن بيوتهمبالليل يوم عُمَير ظالمٌ عادي

ولو كان ماضياً لم يجز فيه التنوين، وحذف التنوين على التحقيق، فإذا حذفت التنوين لم يبق بين الاسمين حاجز فخفضت الثاني بالإضافة. وحذف التنوين كثير في كلام العرب موجود حسن؛ قال الله تعالى: { هَدْياً بَالِغَ ٱلْكَعْبَةِ } [المائدة: 95] وقال: { إِنَّا مُرْسِلُو ٱلنَّاقَةِ } [القمر: 27] قال سيبويه: ومثل ذلك { { غَيْرَ مُحِلِّي ٱلصَّيْدِ } [المائدة: 1] وأنشد سيبويه:

هل أَنْتَ باعِثُ دِينارٍ لحاجتِناأو عَبْد رَبٍّ أَخَا عَوْنِ بنِ مِخْرَاقِ

وقال النابغة:

احْكُمْ كَحُكْمِ فتاةِ الْحَيِّ إِذْ نَظَرَتْإِلَى حَمَامٍ شَرَاعٍ وَارِدِ الثَّمدِ

معناه واردٍ الثَّمَد فحذف التنوين؛ مثل { كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ }.

قوله تعالى: { قُلْ يٰقَوْمِ ٱعْمَلُواْ عَلَىٰ مَكَانَتِكُـمْ إِنِّي عَامِلٌ } أي على مكانتي أي على جهتي التي تمكنت عندي { فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ }. وقرأ أبو بكر «مَكَانَاتِكُمْ» وقد مضى في «الأنعام». { مَن يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ } أي يهينه ويذله أي في الدنيا وذلك بالجوع والسيف. { وَيَحِلُّ عَلَيْهِ } أي في الآخرة { عَذَابٌ مُّقِيمٌ }.

قوله تعالى: { إِنَّآ أَنزَلْنَا عَلَيْكَ ٱلْكِتَابَ لِلنَّـاسِ بِٱلْحَقِّ فَـمَنِ ٱهْتَـدَىٰ فَلِنَفْسِهِ وَمَن ضَـلَّ فَإنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَمَآ أَنتَ عَلَيْهِم بِوَكِـيلٍ } تقدم الكلام في هذه الآية مستوفى في غير موضع.