التفاسير

< >
عرض

وَيَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ تَرَى ٱلَّذِينَ كَذَبُواْ عَلَى ٱللَّهِ وُجُوهُهُم مُّسْوَدَّةٌ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِّلْمُتَكَبِّرِينَ
٦٠
وَيُنَجِّي ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ٱتَّقَوْاْ بِمَفَازَتِهِمْ لاَ يَمَسُّهُمُ ٱلسُّوۤءُ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ
٦١
ٱللَّهُ خَالِقُ كُـلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ
٦٢
لَّهُ مَقَالِيدُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِـآيَاتِ ٱللَّهِ أُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْخَاسِرُونَ
٦٣
قُلْ أَفَغَيْرَ ٱللَّهِ تَأْمُرُونِّيۤ أَعْبُدُ أَيُّهَا ٱلْجَاهِلُونَ
٦٤
-الزمر

الجامع لاحكام القرآن

قوله تعالى: { وَيَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ تَرَى ٱلَّذِينَ كَذَبُواْ عَلَى ٱللَّهِ وُجُوهُهُم مُّسْوَدَّةٌ } أي مما حاط بهم من غضب الله ونقمته. وقال الأخفش: { تَرَى } غير عامل في قوله: { وُجُوهُهُم مُّسْوَدَّةٌ } إنما هو ابتداء وخبر. الزمخشري: جملة في موضع الحال إن كان «تَرَى» من رؤية البصر، ومفعول ثان إن كان من رؤية القلب. { أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِّلْمُتَكَبِّرِينَ } وبيّن رسول الله صلى الله عليه وسلم معنى الكبر فقال عليه السلام: "سفَهُ الحقِّ وغَمْصُ الناس" أي احتقارهم. وقد مضى في «البقرة» وغيرها. وفي حديث عبد الله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم: "يحشر المتكبرون يوم القيامة كالذرّ يلحقهم الصغار حتى يؤتى بهم إلى سجن جهنم" .

قوله تعالى: { وَيُنَجِّي ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ٱتَّقَوْاْ } وقرىء: «ويُنْجي» أي من الشرك والمعاصي. { بِمَفَازَتِهِمْ } على التوحيد قراءة العامة لأنها مصدر. وقرأ الكوفيون: «بمَفَازَاتهِمْ» وهو جائز كما تقول بسعاداتهم. وعن النبي صلى الله عليه وسلم تفسير هذه الآية من حديث أبي هريرة، قال: "يحشر الله مع كل امرىء عمله فيكون عمل المؤمن معه في أحسن صورة وأطيب ريح فكلما كان رُعْب أو خَوْف قال له لا تُرَع فما أنت بالمراد به ولا أنت بالمعنيّ به فإذا كثر ذلك عليه قال فما أحسنك فمن أنت فيقول أما تعرفني أنا عملك الصالح حملتني على ثقلي فوالله لأحملنك ولأدفعن عنك فهي التي قال الله: { وَيُنَجِّي ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ٱتَّقَوْاْ بِمَفَازَتِهِمْ لاَ يَمَسُّهُمُ ٱلسُّوۤءُ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ }" . { ٱللَّهُ خَالِقُ كُـلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ } أي حافظ وقائم به. وقد تقدّم.

قوله تعالى: { لَّهُ مَقَالِيدُ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ } واحدها مِقليد. وقيل: مقلاد وأكثر ما يستعمل فيه إقليد. والمقاليد المفاتيح عن ابن عباس وغيره. وقال السدي: خزائن السموات والأرض. وقال غيره: خزائن السموات المطر، وخزائن الأرض النبات. وفيه لغة أخرى أقاليد وعليها يكون واحدها إقليد. قال الجوهري: والإقليد المفتاح، والمِقلد مفتاح كالمِنجل ربما يقلد به الكلأ كما يقلد القَتُّ إذا جعل حِبالاً؛ أي يفتل والجمع المقاليد. وأقلد البحرُ على خلقٍ كثير أي غرّقهم كأنه أغلق عليهم. وخرج البيهقي عن ابن عمر "أن عثمان بن عفان رضي الله عنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن تفسير قوله تعالى: { لَّهُ مَقَالِيدُ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ } فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما سألني عنها أحد، لا إلٰه إلا الله والله أكبر وسبحان الله وبحمده استغفر الله ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم هو الأوّل والآخر والظاهر والباطن يحيـي ويميت بيده الخير وهو على كل شيء قدير" ذكره الثعلبي في تفسيره، وزاد من قالها إذا أصبح أو أمسى عشر مرات أعطاه الله ست خصال: أولها يحرس من إبليس، والثانية يحضره اثنا عشر ألف ملك، والثالثة يعطى قنطاراً من الأجر، والرابعة ترفع له درجة، والخامسة يزوجه الله من الحور العين، والسادسة يكون له من الأجر كمن قرأ القرآن والتوراة والإنجيل والزبور، وله أيضاً من الأجر كمن حج واعتمر فقبلت حجته وعمرته، فإن مات من ليلته مات شهيداً. وروى الحارث "عن عليّ قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن تفسير المقاليد فقال: يا عليّ لقد سألت عن عظيم المقاليد هو أن تقول عشراً إذا أصبحت وعشراً إذا أمسيت لا إلٰه إلا الله والله أكبر وسبحان الله والحمد لله وأستغفر الله ولا قوّة إلا بالله الأوّل والآخر والظاهر والباطن له الملك وله الحمد بيده الخير وهو على كل شيء قدير" من قالها عشراً إذا أصبح، وعشراً إذا أمسى أعطاه الله خصالاً ستاً: أولها يحرسه من الشيطان وجنوده فلا يكون لهم عليه سلطان، والثانية يعطى قنطاراً في الجنة هو أثقل في ميزانه من جبل أحد، والثالثة ترفع له درجة لا ينالها إلا الأبرار، والرابعة يزوجه الله من الحور العين، والخامسة يشهده اثنا عشر ألف مَلَك يكتبونها له في رق منشور ويشهدون له بها يوم القيامة، والسادسة يكون له من الأجر كأنما قرأ التوراة والإنجيل والزبور والفرقان، وكمن حج واعتمر فقبل الله حجته وعمرته، وإن مات من يومه أو ليلته أو شهره طبع بطابع الشهداء. وقيل: المقاليد الطاعة يقال ألقى إلي فلان بالمقاليد أي أطاعه فيما يأمره؛ فمعنى الآية له طاعة من في السموات والأرض.

قوله تعالى: { وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِـآيَاتِ ٱللَّهِ } أي بالقرآن والحجج والدلالات. { أُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْخَاسِرُونَ } تقدم.

قوله تعالى: { قُلْ أَفَغَيْرَ ٱللَّهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ } وذلك حين دعوا النبي صلى الله عليه وسلم إلى ما هم عليه من عبادة الأصنام وقالوا هو دين آبائك. و«غير» نصب بـ«ـأَعْبُدُ» على تقدير أعبد غير الله فيما تأمرونني. ويجوز أن ينتصب بـ«ـتَأْمُرُونِّي» على حذف حرف الجرّ؛ التقدير: أتأمرونّي بغير الله أن أعبده، لأنّ أن مقدرة وأن والفعل مصدر، وهي بدل من غير؛ التقدير: أتأمرونّي بعبادة غير الله. وقرأ نافع: «تَأْمُرُونِي» بنون واحدة مخففة وفتح الياء. وقرأ ابن عامر: «تَأْمُرُونَنِي» بنونين مخففتين على الأصل. الباقون بنون واحدة مشددة على الإدغام، واختاره أبو عبيد وأبو حاتم؛ لأنها وقعت في مصحف عثمان بنون واحدة. وقرأ نافع على حذف النون الثانية وإنما كانت المحذوفة الثانية؛ لأن التكرير والتثقيل يقع بها، وأيضاً حذف الأولى لا يجوز؛ لأنها دلالة الرفع. وقد مضى في «الأنعام» بيانه عند قوله تعالى: { { أَتُحَاجُّوۤنِّي } [الأنعام: 80]. { أَعْبُدُ } أي أن أعبد فلما حذف «أن» رفع؛ قاله الكسائي. ومنه قول الشاعر:

أَلاَ أَيُّـهَـذَا الـزاجِـرِي أَحْـضُـرُ الـوَغَــى

والدليل على صحة هذا الوجه قراءة من قرأ «أَعْبُدَ» بالنصب.