قوله تعالى: {وَمَن يَكْسِبْ إِثْماً} أي ذنباً {فَإِنَّمَا يَكْسِبُهُ عَلَىٰ نَفْسِهِ} أي عاقبته عائدة عليه. والكسب ما يجرّ به الإنسان إلى نفسه نفعاً أو يدفع عنه به ضررا؛ ولهذا لا يسمى فعل الرب تعالى كسباً.
قوله تعالى: {وَمَن يَكْسِبْ خَطِيۤئَةً أَوْ إِثْماً} قيل: هما بمعنى واحد كرر لاختلاف اللفظ تأكيداً. وقال الطبري: إنما فرق بين الخطيئة والإثم أن الخطيئة تكون عن عمد وعن غير عمد، والإثم لا يكون إلا عن عمد. وقيل: الخطيئة ما لم تتعمده (خاصة) كالقتل بالخطأ. وقيل: الخطيئة الصغيرة، والإثم الكبيرة، وهذه الآية لفظها عام يندرج تحته أهل النازلة وغيرهم.
قوله تعالى: {ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئاً} قد تقدّم ٱسم البريء في البقرة. والهاء في «به» للإثم أو للخطيئة. لأن معناها الإثم، أولهما جميعاً. وقيل: ترجع إلى الكسب. {فَقَدِ ٱحْتَمَلَ بُهْتَاناً وَإِثْماً مُّبِيناً} تشبيه؛ إذ الذنوب ثِقل ووِزر فهي كالمحمولات. وقد قال تعالى:
{ { وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالاً مَّعَ أَثْقَالِهِمْ } } [العنكبوت: 13]. والبُهتان من البَهْت، وهو أن تستقبل أخاك بأن تقذفه بذنب وهو منه بريء. وروى مسلم عن أبي هريرة أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: "أتدرون ما الغِيبة؟ قالوا: الله ورسوله أعلم؛ قال: ذِكْرُك أخاك بما يكره. قيل: أفرأيت إن كان في أخي ما أقول؟ قال: إن كان فيه ما تقول فقد ٱغتبته وإن لم يكن فيه فقد بهته" . وهذا نَصٌّ؛ فرمي البريء بهت له. يقال: بَهتَه بَهْتاً وبَهَتاً وبُهْتَاناً إذا قال عليه ما لم يفعله. وهو بَهّات والمقول له مَبْهُوت. ويقال: بهِت الرجل (بالكسر) إذا دُهِش وتحيّر. وبَهُت (بالضم) مثله، وأفصح منهما بُهِت، كما قال الله تعالى: { { فَبُهِتَ ٱلَّذِي كَفَرَ } } [البقرة: 258] لأنه يقال: رجل مبهوت ولا يقال: باهِت ولا بَهِيت، قاله الكسائي.