التفاسير

< >
عرض

لَّن يَسْتَنكِفَ ٱلْمَسِيحُ أَن يَكُونَ عَبْداً للَّهِ وَلاَ ٱلْمَلاۤئِكَةُ ٱلْمُقَرَّبُونَ وَمَن يَسْتَنْكِفْ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيَسْتَكْبِرْ فَسَيَحْشُرُهُمْ إِلَيهِ جَمِيعاً
١٧٢
فَأَمَّا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَيَزيدُهُمْ مِّن فَضْلِهِ وَأَمَّا ٱلَّذِينَ ٱسْتَنكَفُواْ وَٱسْتَكْبَرُواْ فَيُعَذِّبُهُمْ عَذَاباً أَلِيماً وَلاَ يَجِدُونَ لَهُمْ مِّن دُونِ ٱللَّهِ وَلِيّاً وَلاَ نَصِيراً
١٧٣
-النساء

الجامع لاحكام القرآن

قوله تعالى: { لَّن يَسْتَنكِفَ ٱلْمَسِيحُ } أي لن يأنَفَ ولن يحتشِم. { أَن يَكُونَ عَبْداً للَّهِ } أي من أن يكون؛ فهو في موضع نصب. وقرأ الحسن: «إن يكون» بكسر الهمزة على أنها نفي هو بمعنى «ما» والمعنى ما يكون له ولد؛ وينبغي رفع يكون ولم يذكره الرّواة. { وَلاَ ٱلْمَلاۤئِكَةُ ٱلْمُقَرَّبُونَ } أي من رحمة الله ورضاه؛ فدل بهذا على أن الملائكة أفضل من الأنبياء صلوات الله عليهم أجمعين، وكذا { { وَلاَ أَقُولُ إِنِّي مَلَكٌ } [هود: 31] وقد تقدمت الإشارة إلى هذا المعنى في «البقرة». { وَمَن يَسْتَنْكِفْ } أي يأنَف { عَنْ عِبَادَتِهِ وَيَسْتَكْبِرْ } فلا يفعلها. { فَسَيَحْشُرُهُمْ إِلَيهِ } أي إلى المحشر. { جَمِيعاً } فيجازي كلا بما يستحق، كما بينه في الآية بعد هذا { فَأَمَّا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَيَزيدُهُمْ مِّن فَضْلِهِ } إلى قوله: { نَصِيراً }. وأصل «يَسْتَنْكِفُ» نَكِفَ؛ فالياء والسين والتاء زوائد؛ يقال: نكفت من الشيء وٱستَنْكفت منه وأنكَفْته أي نزّهته عما يستنكف منه؛ ومنه الحديث "سئل عن سبحان الله فقال: إنْكافُ اللَّهِ من كل سوءٍ" يعني تنزيهه وتقديسه عن الأنداد والأولاد. وقال الزجاج: ٱستنكف أي أنِف مأخوذ من نَكَفْت الدّمع إذا نَحّيته بإصبعك عن خدّك؛ ومنه الحديث: "ما يُنْكَفُ العَرَقُ عن جبينه" أي ما ينقطع؛ ومنه الحديث: "جاء بجيش لا يُنْكَف آخره" أي لا ينقطع آخره. وقيل: هو من النّكَفِ وهو العيب؛ يقال: ما عليه في هذا الأمر نَكَفٌ ولا وَكَف أي عيب: أي لن يمتنع المسيح ولن يتنزّه من العبودية ولن ينقطع عنها ولن يعيبها.