التفاسير

< >
عرض

وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْدَآءُ ٱللَّهِ إِلَى ٱلنَّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ
١٩
حَتَّىٰ إِذَا مَا جَآءُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُم بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ
٢٠
وَقَالُواْ لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدتُّمْ عَلَيْنَا قَالُوۤاْ أَنطَقَنَا ٱللَّهُ ٱلَّذِي أَنطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ
٢١
-فصلت

الجامع لاحكام القرآن

قوله تعالى: { وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْدَآءُ ٱللَّهِ إِلَى ٱلنَّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ } قرأ نافع «نَحْشُرُ» بالنون «أَعْدَاءَ» بالنصب. الباقون «يُحْشَرُ» بياء مضمومة «أَعْدَاءُ» بالرفع ومعناهما بيّن. وأعداء الله: الذين كذّبوا رسله وخالفوا أمره. «فَهُمْ يُوزَعُونَ» يساقون ويدفعون إلى جهنم. قال قتادة والسدي: يحبس أولهم على آخرهم حتى يجتمعوا؛ قال أبو الأحوص: فإذا تكاملت العدة بدىء بالأكابر فالأكابر جرماً. وقد مضى في «النمل» الكلام في «يُوزَعُونَ» مستوفى.

قوله تعالى: { حَتَّىٰ إِذَا مَا جَآءُوهَا } «مَا» زائدة { شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُم بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } الجلود يعني بها الجلود بأعيانها في قول أكثر المفسرين. وقال السدي وعبيد الله بن أبي جعفر والفراء: أراد بالجلود الفروج؛ وأنشد بعض الأدباء لعامر بن جُوَيّة:

المرءُ يسعى لِلسلامةِ والسلامةُ حسبه
أو سالم من قد تثــنَّى جلدُه وابيضَّ رأسه

وقال: جلده كناية عن فرجه. { وَقَالُواْ } يعني الكفار { لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدتُّمْ عَلَيْنَا } وإنما كنا نجادل عنكم { قَالُوۤاْ أَنطَقَنَا ٱللَّهُ ٱلَّذِي أَنطَقَ كُلَّ شَيْءٍ } لما خاطبتْ وخوطِبَتْ أُجريتْ مُجرى من يعقل. { وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ } أي ركب الحياة فيكم بعد أن كنتم نطفاً، فمن قدر عليه قدر على أن يُنطق الجلود وغيرها من الأعضاء. وقيل: «وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ» ابتداء كلام من الله. { وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ } وفي صحيح مسلم عن أنس بن مالك قال: كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فضحك فقال: "هل تدرون مِمَّ أضحك قلنا: الله ورسوله أعلم، قال: من مخاطبة العبد ربه يقول يا رب ألم تُجرني من الظلم قال يقول بلى قال فيقول فإني لا أجيز على نفسي إلا شاهداً مني قال يقول كفى بِنفسِك اليوم عليك شهيداً وبالكرام الكتابيين شهوداً قال فيُخْتَم على فيه فيقال لأركانه انطقي فتَنْطِق بأعماله قال ثم يخلى بينه وبين الكلام قال فيقول بُعْداً لكنّ وسُحْقاً فعنكنّ كنت أناضِل" وفي حديث أبي هريرة ثم قال: "الآن نبعث شاهدنا عليك ويتفكر في نفسه من ذا الذي يشهد عليّ فيُختم على فيه ويقال لفخذه ولحمه وعظامه انطقي فتنطق فخذه ولحمه وعظامه بعمله وذلك ليُعْذِر من نفسه وذلك المنافق وذلك الذي سَخِط الله عليه" خرجه أيضاً مسلم.