قوله تعالى: { إِنَّ ٱلَّذِينَ قَالُواْ رَبُّنَا ٱللَّهُ ثُمَّ ٱسْتَقَامُواْ } قال عطاء عن ابن عباس: نزلت هذه الآية في أبي بكر الصدّيق رضي الله عنه؛ وذلك أن المشركين قالوا ربُّنا الله والملائكة بناته وهؤلاء شفعاؤنا عند الله؛ فلم يستقيموا. وقال أبو بكر: ربُّنا الله وحده لا شريك له ومحمد صلى الله عليه وسلم عبده ورسوله؛ فاستقام. وفي الترمذي عن أنس بن مالك:
"أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ { إِنَّ ٱلَّذِينَ قَالُواْ رَبُّنَا ٱللَّهُ ثُمَّ ٱسْتَقَامُواْ } قال: قد قال الناس ثم كفر أكثرهم فمن مات عليها فهو ممن استقام" قال: حديث غريب. ويروى في هذه الآية عن النبيّ صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر وعثمان وعليّ معنى { ٱسْتَقَامُواْ }؛ ففي صحيح مسلم عن سفيان بن عبد الله الثقفيّ قال: قلت يا رسول الله قل لي في الإسلام قولاً لا أسأل عنه أحداً بعدك ـ وفي رواية ـ غيرك. قال: "قل آمنت بالله ثم استقم" زاد الترمذي قلت: يا رسول الله ما أخوف ما تخاف عليّ؟ فأخذ بلسان نفسه وقال: «هذا». وروي عن أبي بكر الصدّيق رضي الله عنه أنه قال: { ثُمَّ ٱسْتَقَامُواْ } لم يشركوا بالله شيئاً. وروى عنه الأسود بن هلال أنه قال لأصحابه: ما تقولون في هاتين الآيتين { إِنَّ ٱلَّذِينَ قَالُواْ رَبُّنَا ٱللَّهُ ثُمَّ ٱسْتَقَامُواْ } و { ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُوۤاْ إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ } [الأنعام: 82] فقالوا: استقاموا فلم يذنبوا ولم يلبسوا إيمانهم بخطيئة؛ فقال أبو بكر: لقد حملتموها على غير المحمل { قَالُواْ رَبُّنَا ٱللَّهُ ثُمَّ ٱسْتَقَامُواْ } فلم يلتفتوا إلى إلٰه غيره { وَلَمْ يَلْبِسُوۤاْ إِيمَانَهُمْ } بشرك { أُوْلَـٰئِكَ لَهُمُ ٱلأَمْنُ وَهُمْ مُّهْتَدُونَ }. وروي عن عمر رضي الله عنه أنه قال على المنبر وهو يخطب: { إِنَّ ٱلَّذِينَ قَالُواْ رَبُّنَا ٱللَّهُ ثُمَّ ٱسْتَقَامُواْ } فقال: استقاموا والله على الطريقة لطاعته ثم لم يَرغُوا روغان الثعالب. وقال عثمان رضي الله عنه: ثم أخلصوا العمل لله. وقال عليّ رضي الله عنه: ثم أدوا الفرائض. وأقوال التابعين بمعناها. قال ابن زيد وقتادة: استقاموا على الطاعة لله. الحسن: استقاموا على أمر الله فعملوا بطاعته واجتنبوا معصيته. وقال مجاهد وعكرمة: استقاموا على شهادة أن لا إلٰه إلا الله حتى ماتوا. وقال سفيان الثوري: عملوا على وِفاق ما قالوا. وقال الربيع: أعرضوا عما سوى الله. وقال الفضيل بن عياض: زهدوا في الفانية ورغبوا في الباقية. وقيل: استقاموا إسراراً كما استقاموا إقراراً. وقيل: استقاموا فعلاً كما استقاموا قولاً. وقال أنس: لما نزلت هذه الآية قال النبيّ صلى الله عليه وسلم: "هم أمتي وربِّ الكعبة" . وقال الإمام ابن فُورك: السين سين الطلب مثل استسقى أي سألوا من الله أن يثبتهم على الدين. وكان الحسن إذا قرأ هذه الآية قال: اللهم أنت ربنا فارزقنا الاستقامة. قلت: وهذه الأقوال وإن تداخلت فتلخيصها: اعتدلوا على طاعة الله عقداً وقولاً وفعلاً، وداموا على ذلك. { تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ ٱلْمَلاَئِكَةُ } قال ابن زيد ومجاهد: عند الموت. وقال مقاتل وقتادة: إذا قاموا من قبورهم للبعث. وقال ابن عباس: هي بشرى تكون لهم من الملائكة في الآخرة. وقال وكيع وابن زيد: البشرى في ثلاثة مواطن عند الموت وفي القبر وعند البعث. { أَلاَّ تَخَافُواْ } أي بـ«ـأَلاَّ تَخَافُوا» فحذف الجار. وقال مجاهد: لا تخافوا الموت { وَلاَ تَحْزَنُواْ } على أولادكم فإن الله خليفتكم عليهم. وقال عطاء بن أبي رباح: لا تخافوا رد ثوابكم فإنه مقبول، ولا تحزنوا على ذنوبكم فإني أغفرها لكم. وقال عكرمة: ولا تخافوا أمامكم، ولا تحزنوا على ذنوبكم. { وَأَبْشِرُواْ بِٱلْجَنَّةِ ٱلَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ }.
قوله تعالى: { نَحْنُ أَوْلِيَآؤُكُمْ فِي ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا وَفِي ٱلآخِرَةِ } أي تقول لهم الملائكة الذين تتنزل عليهم بالبشارة «نَحْنُ أَوْلِيَاءُكُمْ» قال مجاهد: أي نحن قرناؤكم الذين كنا معكم في الدنيا، فإذا كان يوم القيامة قالوا لا نفارقكم حتى ندخلكم الجنة. وقال السدي: أي نحن الحفظة لأعمالكم في الدنيا وأولياؤكم في الآخرة. ويجوز أن يكون هذا من قول الله تعالى؛ والله ولِي المؤمِنِينَ ومولاهم. { وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِيۤ أَنفُسُكُمْ } أي من الملاذّ. { وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ } تسألون وتتمنون. { نُزُلاً } أي رزقاً وضيافة. وقد تقدّم في «آل عمران» وهو منصوب على المصدر أي أنزلناه نزلاً. وقيل: على الحال. وقيل: هو جمع نازل، أي لكم ما تدعون نازلين، فيكون حالاً من الضمير المرفوع في «تَدَّعُونَ» أو من المجرور في «لَكُمْ».