قوله تعالى:{ أَفَنَضْرِبُ عَنكُمُ ٱلذِّكْرَ صَفْحاً } يعني: القرآن؛ عن الضحاك وغيره. وقيل: المراد بالذكر العذاب؛ أي أفنضرب عنكم العذاب ولا نعاقبكم على إسرافكم وكفركم؛ قاله مجاهد وأبو صالح والسدي، ورواه العَوْفي عن ابن عباس. وقال ابن عباس: المعنى أفحسبتم أن نصفح عنكم العذاب ولما تفعلوا ما أمرتم به. وعنه أيضاً أن المعنى أتكذبون بالقرآن ولا تعاقبون. وقال السدي أيضاً؛ المعنى أفنترككم سُدًى فلا نأمركم ولا ننهاكم. وقال قتادة: المعنى أفنهلككم ولا نأمركم ولا ننهاكم. وعنه أيضاً: أفنمسك عن إنزال القرآن من قبل أنكم لا تؤمنون به فلا ننزله عليكم. وقاله ابن زيد. قال قتادة: والله لو كان هذا القرآن رفع حين ردّدته أوائل هذه الأمة لهلكوا، ولكن الله ردّده وكرره عليهم برحمته. وقال الكسائي: أفنطوي عنكم الذكر طَيًّا فلا توعظون ولا تؤمرون. وقيل: الذكر التذكر؛ فكأنه قال: أنترك تذكيركم لأن كنتم قوماً مسرفين؛ في قراءة من فتح. ومن كسر جعلها للشرط وما قبلها جواباً لها؛ لأنها لم تعمل في اللفظ. ونظيره:
{ { وَذَرُواْ مَا بَقِيَ مِنَ ٱلرِّبَا إِن كُنْتُمْ مُّؤْمِنِينَ } [البقرة: 278] وقيل: الجواب محذوف دلّ عليه ما تقدّم؛ كما تقول: أنت ظالم إن فعلت. ومعنى الكسر عند الزجاج الحال؛ لأن في الكلام معنى التقرير والتوبيخ. ومعنى { صَفْحاً } إعراضاً؛ يقال: صفحت عن فلان إذا أعرضت عن ذنبه. وقد ضربت عنه صفحاً إذا أعرضت عنه وتركته. والأصل فيه صفحة العنق؛ يقال: أعرضت عنه أي وليته صفحة عنقي. قال الشاعر:صُفوحاً فما تلقاك إلا بخيلَةًفمن مَلّ منها ذلك الوصلَ مَلّت
وانتصب «صَفْحاً» على المصدر لأن معنى: «أَفَنَضْرِبُ» أفنصفح. وقيل: التقدير أفنضرب عنكم الذكر صافحين، كما يقال: جاء فلان مشياً. ومعنى: { مُّسْرِفِينَ } مشركين. واختار أبو عبيدة الفتح في «أن» وهي قراءة ابن كثير وأبي عمرو وعاصم وابن عامر، قال: لأن الله تعالى عاتبهم على ما كان منهم، وعلمه قبل ذلك من فعلهم.