التفاسير

< >
عرض

إِنَّآ أَرْسَلْنَٰكَ شَٰهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً
٨
لِّتُؤْمِنُواْ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً
٩
-الفتح

الجامع لاحكام القرآن

قوله تعالى:{ إِنَّآ أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً } قال قتادة: على أمتك بالبلاغ. وقيل: شاهداً عليهم بأعمالهم من طاعة أو معصية. وقيل: مُبَيِّناً لهم ما أرسلناك به إليهم. وقيل: شاهداً عليهم يوم القيامة. فهو شاهد أفعالهم اليوم، والشهيد عليهم يوم القيامة. وقد مضى في «النساء» عن سعيد بن جبير هذا المعنى مبيَّناً. { وَمُبَشِّراً } لمن أطاعه بالجنة. { وَنَذِيراً } من النار لمن عصى؛ قاله قتادة وغيره. وقد مضى في «البقرة» ٱشتقاق البشارة والنذارة ومعناهما. وٱنتصب «شَاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً» على الحال المقدرة. حكى سيبويه: مررت برجل معه صقر صائداً به غداً؛ فالمعنى: إنا أرسلناك مقدرين بشهادتك يوم القيامة. وعلى هذا تقول: رأيت عمراً قائماً غداً. { لِّتُؤْمِنُواْ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِ } قرأ ابن كثير وابن مُحَيْصن وأبو عمرو «لِيُوْمِنُوا» بالياء، وكذلك «يُعَزِّرُوهُ وَيُوَقِّرُوهُ وَيُسَبِّحُوهُ» كله بالياء على الخبر. وٱختاره أبو عبيد لذكر المؤمنين قبله وبعده؛ فأما قبله فقوله: «لِيُدْخِلَ» وأما بعده فقوله: { إِنَّ ٱلَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ } الباقون بالتاء على الخطاب، واختاره أبو حاتم. { وَتُعَزِّرُوهُ } أي تعظموه وتفخّموه؛ قاله الحسن والكلبي. والتعزير: التعظيم والتوقير. وقال قتادة: تنصروه وتمنعوا منه. ومنه التعزير في الحدّ؛ لأنه مانع. قال القَطَامِيّ:

ألا بَكَرَتْ مَيٌّ بغير سَفَاهةٍتُعاتِبُ والْمَوْدُودُ ينفعه العَزْر

وقال ابن عباس وعكرمة: تقاتلون معه بالسيف. وقال بعض أهل اللغة: تطيعوه. { وَتُوَقِّرُوهُ } أي تسوِّدُوه؛ قاله السدي. وقيل تعظموه. والتوقير: التعظيم والتَّرْزِين أيضاً. والهاء فيهما للنبيّ صلى الله عليه وسلم. وهنا وقف تام، ثم تبتدىء «وَتُسَبِّحُوهُ» أي تسبحوا الله { بُكْرَةً وَأَصِيلاً } أي عَشِيًّا. وقيل: الضمائر كلّها للّه تعالى؛ فعلى هذا يكون تأويل «تُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ» أي تُثبتوا له صحة الربوبية وتَنفوا عنه أن يكون له ولد أو شريك. وٱختار هذا القول القشيري. والأوّل قول الضحاك، وعليه يكون بعض الكلام راجعاً إلى الله سبحانه وتعالى وهو «وَتُسَبِّحُوهُ» من غير خلاف. وبعضه راجعاً إلى رسوله صلى الله عليه وسلم وهو «وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ» أي تدعوه بالرسالة والنبوّة لا بالاسم والكُنْيَة. وفي «تُسَبِّحُوهُ» وجهان: أحدهما ـ تسبيحه بالتنزيه له سبحانه من كل قبيح. والثاني ـ هو فعل الصلاة التي فيها التسبيح. «بُكْرَةً وَأَصِيلاً» أي غُدْوة وعَشِيًّا. وقد مضى القول فيه. وقال الشاعر:

لَعَمْرِي لأنت البيتُ أُكْرِمُ أهْلَهُوأجلس في أفْيَائه بالأصائل