التفاسير

< >
عرض

مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلاَّ مَآ أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ ٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً مَّا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنتَ أَنتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنتَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ
١١٧
-المائدة

الجامع لاحكام القرآن

قوله تعالى: { مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلاَّ مَآ أَمَرْتَنِي بِهِ } يعني في الدنيا بالتوحيد. { أَنِ ٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ } «أَنْ» لا موضع لها من الإعراب وهي مفسرة مثل { { وَٱنطَلَقَ ٱلْمَلأُ مِنْهُمْ أَنِ ٱمْشُواْ } [صۤ: 6] ويجوز أن تكون في موضع نصب؛ أي ما ذكرت لهم إلا عبادة الله. ويجوز أن تكون في موضع خفض؛ أي بأن ٱعبدوا الله؛ وضم النون أولى؛ لأنهم يستثقلون كسرة بعدها ضمة، والكسر جائز على أصل التقاء الساكنين.

قوله تعالى: { وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً } أي حفيظاً بما أمرتهم، { مَّا دُمْتُ فِيهِمْ } «ما» في موضع نصب أي وقت دوامي فيهم. { فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنتَ أَنتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ } قيل: هذا يدل على أن الله عز وجل توفاه قبل أن يرفعه؛ وليس بشيء؛ لأن الأخبار تظاهرت برفعه، وأنه في السماء حي، وأنه ينزل ويقتل الدَّجَّال ـ على ما يأتي بيانه ـ وإنما المعنى فلما رفعتني إلى السماء. قال الحسن: الوفاة في كتاب الله عز وجل على ثلاثة أوجه: وفاة الموت. وذلك قوله تعالى: { { ٱللَّهُ يَتَوَفَّى ٱلأَنفُسَ حِينَ مِوْتِـهَا } [الزمر: 42] يعني وقت انقضاء أجلها. ووفاة النوم؛ قال الله تعالى: { { وَهُوَ ٱلَّذِي يَتَوَفَّاكُم بِٱللَّيْلِ } [الأنعام: 60] يعني الذي ينيمكم. ووفاة الرفع، قال الله تعالى: { { يٰعِيسَىٰ إِنِّي مُتَوَفِّيكَ } [آل عمران: 55].وقوله { كُنتَ أَنتَ } «أنت هنا» توكيد { الرَّقِيبَ } خبر { كُنتَ } ومعناه الحافظ عليهم، والعالم بهم والشاهد على أفعالهم؛ وأصله المراقبة أي المراعاة؛ ومنه المَرْقَبة لأنها في موضع الرقيب من علوّ المكان. { وَأَنتَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ } أي من مقالتي ومقالتهم. وقيل: على من عصى وأطاع؛ خرّج مسلم "عن ٱبن عباس قال قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم خطيباً بموعظة فقال: يأيها الناس إنكم تحشرون إلى الله حُفاة عُرَاةً غُرْلاً { كَمَا بَدَأْنَآ أَوَّلَ خَلْقٍ نُّعِيدُهُ وَعْداً عَلَيْنَآ إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ } [الأنبياء: 104] أَلاَ وإن أوّل الخلائق يُكْسى يوم القيامة إبراهيمُ ـ عليه السلام؛ أَلاَ وإنه سيُجاءُ برجال من أُمتي فيؤخذ بهم ذاتَ الشمال فأقول يا ربّ أصحابي فيقال إنك لا تَدري ما أحدثوا بعدك فأقول كما قال العبد الصالح: { وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً مَّا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنتَ أَنتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنتَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ } { إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ } قال: فيقال لي إنّهم لم يزالوا مدبرين مرتدين على أعقابهم منذ فارقتَهم" .