قوله تعالى: { وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ ٱلْكِتَابِ } «أَنَّ» في موضع رفع، وكذا { وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُواْ ٱلتَّوْرَاةَ }. { آمَنُواْ } صدّقوا. { وَٱتَّقَوْاْ } أي الشرك والمعاصي. { لَكَفَّرْنَا عَنْهُمْ } اللام جواب «لو» وكفّرنا غطّينا، وقد تقدم. وإقامة التوراة والإنجيل العمل بمقتضاهما وعدم تحريفهما؛ وقد تقدّم هذا المعنى في «البقرة» مستوفى. { وَمَآ أُنزِلَ إِلَيهِمْ مِّن رَّبِّهِمْ } أي القرآن. وقيل: كتب أنبيائهم. { لأَكَلُواْ مِن فَوْقِهِمْ وَمِن تَحْتِ أَرْجُلِهِم } قال ٱبن عباس وغيره: يعني المطر والنبات: وهذا يدل على أنهم كانوا في جَدْب. وقيل: المعنى لوسعنا عليهم في أرزاقهم وأكلوا أكلاً متواصلاً؛ وذكر فوق وتحت للمبالغة فيما يفتح عليهم من الدنيا؛ ونظير هذه الآية
{ { وَمَن يَتَّقِ ٱللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَحْتَسِبُ } [الطلاق: 2-3] { { وَأَلَّوِ ٱسْتَقَامُواْ عَلَى ٱلطَّرِيقَةِ لأَسْقَيْنَاهُم مَّآءً غَدَقاً } [الجن: 16] { { وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ ٱلْقُرَىٰ آمَنُواْ وَٱتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِّنَ ٱلسَّمَآءِ وَٱلأَرْضِ } [الأعراف: 96] فجعل تعالى التُّقى من أسباب الرزق كما في هذه الآيات، ووعد بالمزيد لمن شَكَر فقال: { { لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ } [إبراهيم: 7] ثم أخبر تعالى أن منهم مقتصداً ـ وهم المؤمنون منهم كالنجاشي وسَلمْان وعبدالله بن سلام ـ اقتصدوا فلم يقولوا في عيسى ومحمد عليهما الصلاة والسلام إلا ما يليق بهما. وقيل: أراد بالاقتصاد قوماً لم يؤمنوا، ولكنهم لم يكونوا من المؤذين المستهزئين، والله أعلم. والاقتصاد الاعتدال في العمل؛ وهو من القصد، والقصد إتيان الشيء؛ تقول: قصدته وقصدت له وقصدت إليه بمعنى. { سَآءَ مَا يَعْمَلُونَ } أي بئس شيء عَمِلوه؛ كذبوا الرسل، وحَرّفوا الكتب وأَكَلوا السّحت.