التفاسير

< >
عرض

وَنُفِخَ فِي ٱلصُّورِ ذَلِكَ يَوْمُ ٱلْوَعِيدِ
٢٠
وَجَآءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَّعَهَا سَآئِقٌ وَشَهِيدٌ
٢١
لَّقَدْ كُنتَ فِي غَفْلَةٍ مِّنْ هَـٰذَا فَكَشَفْنَا عَنكَ غِطَآءَكَ فَبَصَرُكَ ٱلْيَوْمَ حَدِيدٌ
٢٢

الجامع لاحكام القرآن

قوله تعالى: { وَنُفِخَ فِي ٱلصُّورِ } هي النفخة الآخرة للبعث { ذَلِكَ يَوْمَ ٱلْوَعِيدِ } الذي وعده الله للكفار أن يعذبهم فيه. وقد مضى الكلام في النفخ في الصور مستوفًى والحمد لله.

قوله تعالى: { وَجَآءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَّعَهَا سَآئِقٌ وَشَهِيدٌ } ٱختلف في السائق والشهيد؛ فقال ابن عباس: السائق من الملائكة والشهيد من أنفسهم الأيدي والأرجل؛ رواه العوفي عن ٱبن عباس. وقال أبو هريرة: السائق الملَك والشهيد العمل. وقال الحسن وقتادة: المعنى سائق يسوقها وشاهد يشهد عليها بعملها. وقال ٱبن مسلم؛ السائق قرينها من الشياطين سمي سائقاً لأنه يتبعها وإن لم يحثّها. وقال مجاهد: السائق والشهيد ملَكان. وعن عثمان بن عفان رضي الله عنه أنه قال وهو على المنبر: { وَجَآءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَّعَهَا سَآئِقٌ وَشَهِيدٌ } سائق: مَلَك يسوقها إلى أمر الله، وشهيد: يشهد عليها بعملها.

قلت: هذا أصح فإن في حديث جابر بن عبد الله قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول "إن ٱبن آدم لفي غفلة عما خلقه الله عز وجل له إن الله لا إلٰه غيره إذا أراد خَلْقه قال للملَك ٱكتب رزقه وأثره وأجله وٱكتبه شقيًّا أو سعيداً ثم يرتفع ذلك المَلَك ويبعث الله ملكاً آخر فيحفظه حتى يدرك ثم يبعث الله ملكين يكتبان حسناتِه وسيئاتِه فإذا جاءَه الموت ٱرتفع ذلك الملَكان ثم جاء ملَك الموت عليه السلام فيقبض روحه فإذا أُدْخِلَ حفرته ردّ الروح في جسده ثم يرتفع ملَك الموت ثم جاءه ملَكا القبر فٱمتحناه ثم يرتفعان فإذا قامت الساعة ٱنحط عليه ملَك الحسنات وملَك السيئات فأنشطا كتاباً معقوداً في عنقه ثم حضرا معه واحد سائق والآخر شهيد ثم قال الله تعالى: { لَّقَدْ كُنتَ فِي غَفْلَةٍ مِّنْ هَـٰذَا فَكَشَفْنَا عَنكَ غِطَآءَكَ فَبَصَرُكَ ٱلْيَوْمَ حَدِيدٌ }" قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لَتَرْكَبُنَّ طَبَقاً عَنْ طَبَقٍ قال: حالاً بعد حال" ثم قال النبيّ صلى الله عليه وسلم: "إن قُدَّامكم أمراً عظيماً فاستعينوا بالله العظيم" خرجه أبو نعيم الحافظ من حديث جعفر بن محمد بن علي عن جابر وقال فيه: هذا حديث غريب من حديث جعفر، وحديث جابر تفرّد به عنه جابر الجُعْفِيّ وعنه المفضّل. ثم في الآية قولان: أحدهما أنها عامة في المسلم والكافر وهو قول الجمهور. الثاني أنها خاصة في الكافر؛ قاله الضحاك.

قوله تعالى: { لَّقَدْ كُنتَ فِي غَفْلَةٍ مِّنْ هَـٰذَا فَكَشَفْنَا عَنكَ غِطَآءَكَ } قال ٱبن زيد: المراد به النبيّ صلى الله عليه وسلم؛ أي لقد كنت يا محمد في غفلة من الرسالة في قريش في جاهليتهم. وقال ٱبن عباس والضحاك: إن المراد به المشركون أي كانوا في غفلة من عواقب أمورهم. وقال أكثر المفسرين: إن المراد به البر والفاجر. وهو ٱختيار الطبري. وقيل: أي لقد كنت أيها الإنسان في غفلة عن أن كل نفس معها سائق وشهيد؛ لأن هذا لا يعرف إلا بالنصوص الإلٰهية. { فَكَشَفْنَا عَنكَ غِطَآءَكَ } أي عَمَاك؛ وفيه أربعة أوجه: أحدها إذ كان في بطن أمه فولد؛ قاله السدّي. الثاني إذا كان في القبر فنشر. وهذا معنى قول ٱبن عباس. الثالث: وقت العَرْض في القيامة؛ قاله مجاهد. الرابع أنه نزول الوحي وتحمل الرسالة. وهذا معنى قول ابن زيد. { فَبَصَرُكَ ٱلْيَوْمَ حَدِيدٌ } قيل: يراد به بصر القلب كما يقال هو بصير بالفقه؛ فبصر القلب وبصيرته تبصرته شواهد الأفكار ونتائج الاعتبار، كما تبصر العين ما قابلها من الأشخاص والأجسام. وقيل: المراد به بصر العين وهو الظاهر أي بصر عينك اليوم حديد؛ أي قويّ نافذ يرى ما كان محجوباً عنك. قال مجاهد: { فَبَصَرُكَ ٱلْيَوْمَ حَدِيدٌ } يعني نظرك إلى لسان ميزانك حين توزن سيئاتك وحسناتك. وقاله الضحاك. وقيل: يعاين ما يصير إليه من ثواب وعقاب. وهو معنى قول ٱبن عباس. وقيل: يعني أن الكافر يحشر وبصره حديد ثم يزرقّ ويَعْمَى. وقرىء «لَقَدْ كُنْتِ» «عَنْكِ» «فَبَصَرُكِ» بالكسر على خطاب النفس.