التفاسير

< >
عرض

فَٱصْبِرْ عَلَىٰ مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ ٱلشَّمْسِ وَقَبْلَ ٱلْغُرُوبِ
٣٩
وَمِنَ ٱللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَأَدْبَارَ ٱلسُّجُودِ
٤٠

الجامع لاحكام القرآن

فيه خمس مسائل:

الأولى ـ قوله تعالى: { فَٱصْبِرْ عَلَىٰ مَا يَقُولُونَ } خطاب للنبيّ صلى الله عليه وسلم؛ أمره بالصبر على ما يقوله المشركون؛ أي هَوِّن أَمرَهم عليك. ونزلت قبل الأمر بالقتال فهي منسوخة. وقيل: هو ثابت للنبي صلى الله عليه وسلم وأمته. وقيل معناه: فاصبر على ما يقوله اليهود من قولهم: إن الله ٱستراح يوم السبت.

الثانية ـ قوله تعالى: { وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ ٱلشَّمْسِ وَقَبْلَ ٱلْغُرُوبِ } قيل: إنه أراد به الصلوات الخمس. قال أبو صالح: قبل طلوع الشمس صلاة الصبح، وقبل الغروب صلاة العصر. ورواه جرير بن عبد الله مرفوعاً؛ قال: كنا جلوساً عند النبيّ صلى الله عليه وسلم إذ نظر إلى القمر ليلة البدر، فقال: "أَمَا إنكم سترون ربكم كما ترون هذا القمر لا تُضامون في رؤيته فإن ٱستطعتم ألا تُغْلَبوا على صلاة قبل طلوع الشمس وقبل غروبها ـ يعني العصر والفجر ثم قرأ جرير ـ { وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ ٱلشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا } " متفق عليه واللفظ لمسلم. وقال ابن عباس: «قَبْلَ الْغُرُوبِ» الظهر والعصر. { وَمِنَ ٱللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ } يعني صلاة العشاءين. وقيل: المراد تسبيحه بالقول تنزيهاً قبل طلوع الشمس وقبل الغروب؛ قاله عطاء الخراسانيّ وأبو الأحوص. وقال بعض العلماء في قوله: { قَبْلَ طُلُوعِ ٱلشَّمْسِ } قال ركعتي الفجر { وَقَبْلَ ٱلْغُرُوبِ } الركعتين قبل المغرب؛ وقال ثُمَامة ٱبن عبد الله بن أنس: كان ذوو الألباب من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم يُصلُّون الركعتين قبل المغرب. وفي صحيح مسلم عن أنس بن مالك قال: كنا بالمدينة فإذا أذن المؤذِّنُ لصلاة المغرب ٱبتدروا السَّوَارِي فركعوا ركعتين، حتى إن الرجل الغريب ليدخل المسجد فيحسب أن الصلاة قد صُليت من كثرة من يصلّيهما. وقال قتادة: ما أدركت أحداً يُصلِّي الركعتين إلا أَنساً وأبا بَرْزَة الأسلمي.

الثالثة ـ قوله تعالى: { وَمِنَ ٱللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَأَدْبَارَ ٱلسُّجُودِ } فيه أربعة أقوال: الأول ـ هو تسبيح الله تعالى في الليل، قاله أبو الأحوص. الثاني ـ أنها صلاة الليل كله، قاله مجاهد. الثالث ـ أنها ركعتا الفجر، قاله ٱبن عباس. الرابع ـ أنها صلاة العشاء الآخرة، قاله ٱبن زيد. قال ابن العربي: من قال إنه التسبيح في الليل فيعضُده الصحيح: «مَنْ تَعَارّ من الليل فقال لا إلٰه إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير سبحان الله والحمد لله ولا إلٰه إلا الله والله أكبر ولا حول ولا قوّة إلا بالله العليّ العظيم». وأما من قال إنها الصلاة بالليل فإن الصلاة تسمى تسبيحاً لما فيها من تسبيح الله، ومنه سُبْحة الضحى. وأما من قال إنها صلاة الفجر أو العشاء فلأنهما من صلاة الليل، والعشاء أوضحه.

الرابعة ـ قوله تعالى: { وَأَدْبَارَ ٱلسُّجُودِ } قال عمر وعليّ وأبو هريرة والحسن بن عليّ والحسن البصريِّ والنّخعيّ والشعبيّ والأوزاعيّ والزهريّ: أدبار السجود الركعتان بعد المغرب، وأدبار النجوم الركعتان قبل الفجر، ورواه العوفي عن ٱبن عباس، وقد رفعه ٱبن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ركعتان بعد المغرب أدبار السجود" ذكره الثعلبي. ولفظ الماوردي: وروي "عن ٱبن عباس قال: بتُّ ليلةً عند النبيّ صلى الله عليه وسلم فصلّى ركعتين قبل الفجر، ثم خرج إلى الصلاة فقال: يا بن عباس ركعتان قبل الفجر أدبار النجوم وركعتان بعد المغرب أدبار السجود" "وقال أنس: قال النبيّ صلى الله عليه وسلم: من صلى ركعتين بعد المغرب قبل أن يتكلم كتبت صلاته في عِليين" . قال أنس فقرأ في الركعة الأولى { قُلْ يٰأَيُّهَا ٱلْكَافِرُونَ } وفي الثانية { قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ } قال مقاتل: ووقتها ما لم يغرب الشفق الأحمر. وعن ٱبن عباس أيضاً: هو الوتر. قال ٱبن زيد: هو النوافل بعد الصلوات، ركعتان بعد كل صلاة مكتوبة، قال النحاس: والظاهر يدل على هذا إلا أن الأولى ٱتباع الأكثر وهو صحيح عن عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه. وقال أبو الأحوص: هو التسبيح في أدبار السجود. قال ٱبن العربي وهو الأقوى في النظر. وفي صحيح الحديث: "أن النبيّ صلى الله عليه وسلم كان يقول في دبر الصلاة المكتوبة: لا إلٰه إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير اللهم لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت ولا ينفع ذا الجَدِّ منك الْجَدُّ" وقيل: إنه منسوخ بالفرائض فلا يجب على أحد إلا خمس صلوات، نقل ذلك الجماعة.

الخامسة ـ قرأ نافع وٱبن كثير وحمزة «وَإِدْبَارَ السُّجُودِ» بكسر الهمزة على المصدر من أدبر الشيء إدباراً إذا وَلَّى. الباقون بفتحها جمع دُبُر. وهي قراءة عليّ وٱبن عباس، ومثالها طُنُب وأطناب، أو دُبْر كقُفْل وأقفال. وقد ٱستعملوه ظرفاً نحو جئتك في دبر الصلاة وفي أدبار الصلاة. ولا خلاف في آخر «والطُّورِ». «وَإِدْبَارَ النُّجُومِ» أنه بالكسر مصدر، وهو ذهاب ضوئها إذا طلع الفجر الثاني، وهو البياض المنشقّ من سواد الليل.