التفاسير

< >
عرض

وَٱسْتَمِعْ يَوْمَ يُنَادِ ٱلْمُنَادِ مِن مَّكَانٍ قَرِيبٍ
٤١
يَوْمَ يَسْمَعُونَ ٱلصَّيْحَةَ بِٱلْحَقِّ ذَلِكَ يَوْمُ ٱلْخُرُوجِ
٤٢
إِنَّا نَحْنُ نُحْيِـي وَنُمِيتُ وَإِلَيْنَا ٱلْمَصِيرُ
٤٣
يَوْمَ تَشَقَّقُ ٱلأَرْضُ عَنْهُمْ سِرَاعاً ذَلِكَ حَشْرٌ عَلَيْنَا يَسِيرٌ
٤٤
نَّحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ وَمَآ أَنتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ فَذَكِّرْ بِٱلْقُرْآنِ مَن يَخَافُ وَعِيدِ
٤٥

الجامع لاحكام القرآن

قوله تعالى: { وَٱسْتَمِعْ يَوْمَ يُنَادِ ٱلْمُنَادِ مِن مَّكَانٍ قَرِيبٍ } مفعول الاستماع محذوف؛ أي ٱستمع النداء والصوت أو الصيحة وهي صيحة القيامة، وهي النفخة الثانية، والمنادي جبريل. وقيل: إسرافيل. الزمخشري: وقيل إسرافيل ينفخ وجبريل ينادي، فينادي بالحشر ويقول: هَلُمّوا إلى الحساب فالنداء على هذا في المحشر. وقيل: وٱستمع نداء الكفار بالويل والثبور من مكان قريب، أي يسمع الجميع فلا يبعد أحد عن ذلك النداء. قال عكرمة: ينادي منادي الرحمٰن فكأنما ينادي في آذانهم. وقيل: المكان القريب صخرة بيت المقدس. ويقال: إنها وسط الأرض وأقرب الأرض من السماء باثني عشر ميلاً. وقال كعب: بثمانية عشر ميلاً، ذكر الأوّلَ القشيري والزمخشري، والثاني الماوردي. فيقف جبريل أو إسرافيل على الصخرة فينادي بالحشر: أيتها العظام البالية، والأوصال المتقطعة، ويا عظاماً نخرة، ويا أكفاناً فانية، ويا قلوباً خاوية، ويا أبداناً فاسدة، ويا عيوناً سائلة، قوموا لعرض رب العالمين. قال قتادة: هو إسرافيل صاحب الصّور. { يَوْمَ يَسْمَعُونَ ٱلصَّيْحَةَ بِٱلْحَقِّ } يعني صيحة البعث. ومعنى «الْخُرُوجِ» الاجتماع إلى الحساب. { ذَلِكَ يَوْمُ ٱلْخُرُوجِ } أي يوم الخروج من القبور. { إِنَّا نَحْنُ نُحْيِـي وَنُمِيتُ } نميت الأحياء ونحيـي الموتى؛ أثبت هنا الحقيقة { يَوْمَ تَشَقَّقُ ٱلأَرْضُ عَنْهُمْ سِرَاعاً } إلى المنادي صاحب الصّور إلى بيت المقدس. { ذَلِكَ حَشْرٌ عَلَيْنَا يَسِيرٌ } أي هيّن سهل. وقرأ الكوفيون «تَشَقَّقُ» بتخفيف الشين على حذف التاء الأولى. الباقون بإدغام التاء في الشين. وأثبت ٱبن محيصن وٱبن كثير ويعقوب ياء «المنادى» في الحالين على الأصل، وأثبتها نافع وأبو عمرو في الوصل لا غير، وحذف الباقون في الحالين.

قلت: وقد زادت السنة هذه الآية بياناً؛ فروى الترمذي عن معاوية بن حَيْدة "عن النبيّ صلى الله عليه وسلم في حديث ذكره، قال وأشار بيده إلى الشام فقال: من هاهنا إلى هاهنا تحشرون ركباناً ومشاة وتُجرُّون على وجوهكم يوم القيامة على أفواهكم الفِدَام تُوفُون سبعين أمة أنتم خيرهم وأكرمهم على الله وإن أول ما يعرب عن أحدكم فخذه" في رواية أخرى "فخذه وكفّه" وخرّج عليّ بن معبد عن أبي هريرة "عن النبيّ صلى الله عليه وسلم في حديث ذكره: ثم يقول ـ يعني الله تعالى ـ لإسرافيل: انفخ نفخة البعث فينفخ فتخرج الأرواح كأمثال النحل قد ملأت ما بين السماء والأرض فيقول الله عز وجل وعزتي وجلالي ليرجعنّ كلّ رُوح إلى جسده فتدخل الأرواح في الأرض إلى الأجساد ثم تدخل في الخياشيم فتمشي في الأجساد مشي السم في اللديغ ثم تنشق الأرض عنكم وأنا أوّل من تنشق عنه الأرض فتخرجون شباباً كلكم أبناء ثلاث وثلاثين واللسان يومئذ بالسريانية" وذكر الحديث، وقد ذكرنا جميع هذا وغيره في «التذكرة» مستوفى والحمد لله.

قوله تعالى: { نَّحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ } أي من تكذيبك وشتمك. { وَمَآ أَنتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ } أي بمسلَّط تجبرهم على الإسلام؛ فتكون الآية منسوخة بالأمر بالقتال. والجبّار من الجبرِية والتسلّط إذ لا يقال جبّار بمعنى مُجبِر، كما لا يقال خرّاج بمعنى مُخرِج؛ حكاه القشيري. النحاس: وقيل معنى جبّار لست تُجبِرهم، وهو خطأ لأنه لا يكون فَعّال من أفعل. وحكى الثعلبي: وقال ثعلب قد جاءت أحرف فَعّال بمعنى مُفعِل وهي شاذة، جبّار بمعنى مُجبِر، ودرّاك بمعنى مُدرِك، وسَرّاع بمعنى مُسرِع، وبَكّاء بمعنى مُبكٍ، وعدَّاء بمعنى مُعدٍ. وقد قرىء { { وَمَآ أَهْدِيكُمْ إِلاَّ سَبِيلَ ٱلرَّشَادِ } [غافر: 29] بتشديد الشين بمعنى المرشد وهو موسى. وقيل: هو الله. وكذلك قرىء { { أَمَّا ٱلسَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ } [الكهف: 79] يعني ممسكين. وقال أبو حامد الخارْزَنجِيّ: تقول العرب: سيف سَقَّاط بمعنى مُسقِط. وقيل: «بِجَبَّارٍ» بمسيطر كما في الغاشية { { لَّسْتَ عَلَيْهِم بِمُسَيْطِرٍ } [الغاشية: 22]. وقال الفرّاء: سمعت من العرب من يقول جَبَره على الأمر أي قهره، فالجبّار من هذه اللغة بمعنى القهر صحيح. وقيل: الجبّار من قولهم جبرته على الأمر أي أجبرته وهي لغة كنانية وهما لغتان. الجوهري: وأجبرته على الأمر أكرهته عليه، وأجبرته أيضاً نسبته إلى (الجبر، كما تقول أكفرته إذا نسبته إلى الكفر). { فَذَكِّرْ بِٱلْقُرْآنِ مَن يَخَافُ وَعِيدِ } قال ٱبن عباس: قالوا: يا رسول الله لو خوفتنا فنزلت: { فَذَكِّرْ بِٱلْقُرْآنِ مَن يَخَافُ وَعِيدِ } أي ما أعددته لمن عصاني من العذاب؛ فالوعيد العذاب والوعد الثواب، قال الشاعر:

وإنِّي وإنْ أَوْعَدْتُهُ أو وَعَدْتُهُلَمُخْلِفُ إِيعَادِي ومُنْجِزُ مَوْعِدي

وكان قتادة يقول: اللهم ٱجعلنا ممن يخاف وعيدك ويرجو موعدك. وأثبت الياء في «وعِيدِي» يعقوب في الحالين، وأثبتها ورش في الوصل دون الوقف، وحذف الباقون في الحالين. والله أعلم. تم تفسير سورة «قۤ» والحمد لله.