التفاسير

< >
عرض

أَفَلَمْ يَنظُرُوۤاْ إِلَى ٱلسَّمَآءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِن فُرُوجٍ
٦
وَٱلأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ
٧
تَبْصِرَةً وَذِكْرَىٰ لِكُلِّ عَبْدٍ مُّنِيبٍ
٨
وَنَزَّلْنَا مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً مُّبَٰرَكاً فَأَنبَتْنَا بِهِ جَنَّٰتٍ وَحَبَّ ٱلْحَصِيدِ
٩
وَٱلنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ لَّهَا طَلْعٌ نَّضِيدٌ
١٠
رِّزْقاً لِّلْعِبَادِ وَأَحْيَيْنَا بِهِ بَلْدَةً مَّيْتاً كَذَلِكَ ٱلْخُرُوجُ
١١

الجامع لاحكام القرآن

قوله تعالى: { أَفَلَمْ يَنظُرُوۤاْ إِلَى ٱلسَّمَآءِ فَوْقَهُمْ } نظر ٱعتبار وتفكر، وأن القادر على إيجادها قادر على الإعادة. { كَيْفَ بَنَيْنَاهَا } فرفعناها بلا عمد { وَزَيَّنَّـٰهَا } بالنجوم { وَمَا لَهَا مِن فُرُوجٍ } جمع فرج وهو الشق؛ ومنه قول ٱمرىء القيس:

تَسُـدُّ بِـهِ فَرْجَهَـا مِـنْ دُبُـرْ

وقال الكسائي: ليس فيها تفاوت ولا ٱختلاف ولا فتوق. { وَٱلأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ } تقدّم في «الرعد» بيانه. { وَأَنبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ زَوْجٍ } أي من كل نوع من النبات { بَهِيجٍ } أي حسن يسر الناظرين؛ وقد تقدّم في «الحج» بيانه. { تَبْصِرَةً } أي جعلنا ذلك تبصرة لندلَّ به على كمال قدرتنا. وقال أبو حاتم: نصب على المصدر؛ يعني جعلنا ذلك تبصيراً وتنبيهاً على قدرتنا { وَذِكْرَىٰ } معطوف عليه. { لِكُلِّ عَبْدٍ مُّنِيبٍ } راجع إلى الله تعالى مفكر في قدرته.

قوله تعالى: { وَنَزَّلْنَا مِنَ ٱلسَّمَآءِ } أي من السحاب { مَآءً مُّبَارَكاً } أي كثير البركة. { فَأَنبَتْنَا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ ٱلْحَصِيدِ } التقدير: وحبّ النبت الحصيد وهو كل ما يحصد. هذا قول البصريين. وقال الكوفيون: هو من باب إضافة الشيء إلى نفسه، كما يقال: مسجد الجامِع وربيعُ الأوّلِ وحقُّ اليقينِ وحبل الورِيدِ ونحوها؛ قاله الفرّاء. والأصل الحبّ الحصيد فحذفت الألف واللام وأضيف المنعوت إلى النعت. وقال الضحاك: حبّ الحصيد البُرُّ والشَّعيرُ. وقيل: كلّ حبٍّ يُحْصد ويُدّخر ويُقْتات. { وَٱلنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ } نصب على الحال ردًّا على قوله: { وَحَبَّ ٱلْحَصِيدِ } و{ بَاسِقَاتٍ } حال. والباسقات الطوال؛ قاله مجاهد وعكرمة. وقال قتادة وعبد الله بن شدّاد: بُسُوقها ٱستقامتها في الطول. وقال سعيد بن جبير: مستويات. وقال الحسن وعكرمة أيضاً والفرّاء: مواقير حوامل؛ يقال للشاة بسَقت إذا ولدت، قال الشاعر:

فَلَمَّا تَركْنا الدارَ ظَلَّتْ مُنِيفَةًبِقُرَّانَ فيه الباسقات المواقرُ

والأوّل في اللغة أكثر وأشهر؛ (يقال) بَسَقَ النخلُ بُسوقاً إذا طال. قال:

لنا خمرٌ وليست خمر كَرْمٍولكنْ مِن نِتاجِ الباسِقاتِ
كِرامٌ في السماء ذَهَبْنَ طولاًوفاتَ ثِمارُها أيدي الجُنَاةِ

ويقال: بسق فلان على أصحابه أي علاهم، وأبسقت الناقةُ إذا وقع في ضرعها اللبن قبل النِّتاج فهي مُبْسِق ونُوقٌ مَبَاسِيق. وقال قطبة بن مالك: سمعت النبيّ صلى الله عليه وسلم يقرأ «بَاصِقَاتٍ» بالصاد؛ ذكره الثعلبي.

قلت: الذي في صحيح مسلم عن قطبة بن مالك قال: صلّيت وصلّى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقرأ: { قۤ وَٱلْقُرْآنِ ٱلْمَجِيدِ } حتى قرأ { وَٱلنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ } قال فجعلت أردّدها ولا أدري ما قال، إلا أنه لا يجوز إبدال الصاد من السين لأجل القاف. { لَّهَا طَلْعٌ نَّضِيدٌ } الطلع هو أوّلُ ما يخرج من ثمر النخل؛ يقال: طَلَعَ الطلعُ طُلوعاً وأطلعت النخلةُ، وطَلْعها كُفُرّاها قبل أن ينشق. «نضِيدٌ» أي متراكب قد نُضِّد بعضُه على بعض. وفي البخاري: «النَّضِيدُ» الكُفُرّى مادام في أكمامه ومعناه منضود بعضه على بعض؛ فإذا خرج من أكمامه فليس بنضيد. { رِّزْقاً لِّلْعِبَادِ } أي رزقناهم رزقاً، أو على معنى أنبتناها رزقاً؛ لأن الإنبات في معنى الرزق، أو على أنه مفعول له أي أنبتناها لرزقهم، والرزق ما كان مهيأ للإنتفاع به. وقد تقدم القول فيه. { وَأَحْيَيْنَا بِهِ بَلْدَةً مَّيْتاً كَذَلِكَ ٱلْخُرُوجُ } أي من القبور أي كما أحيا الله هذه الأرض الميتة فكذلك يخرجكم أحياء بعد موتكم؛ فالكاف في محل رفع على الابتداء. وقد مضى هذا المعنى في غير موضع. وقال «مَيْتاً» لأن المقصود المكان ولو قال ميتة لجاز.